(ب) نقضوا منها من نواحى مختلفة، منها: ١ - مناقضتها القرآن من مثل قوله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} الحاقة (٦٩) آية ٤٤ - ٤٦، وقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم (٥٣) آية ٣ - ٤. والعجب أن هذه الآية فى صدر السورة التى يحكى أن التخليط كان فيها. وقوله {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} يونس (١٠) آية ١٥، ونحو هذه الآيات- أبو حيان والنيسابورى فى الموضعين السابقين، وغيرهما أيضًا. ٢ - مناقضتها معقولات تنتهى إلى مسلمات دينية: من منافاة العصمة، وارتفاع الثقة بالوحى وما إلى هذا مما لا أفيض فيه, مؤثرًا الانتقال إلى ضرب من نقد المتن هو أمس بكاتب المادة، من حيث هو عالم عربى، وفقيه لغوى، وهذا الضرب هو: ٣ - نقدها بمناقضة اعتبارات عقلية محضة لا تتوقف على مسلمات دينية، ثم من تلك الاعتبارات ماهو عقلى صرف ومنها ما هو تاريخى ومنها ماهو أدبى. فالعقلى الصرف، أنها ليست إلا خيرًا واحدًا، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة (الفخر الرازى: مفاتيح الغيب، جـ ٤، ص ٥٧٢). ثم من الاعتبارات التاريخية ملاحظة أن الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] بمكة- حيث تروى القصة لم يتمكن من القراءة والصلاة عند الكعبة ولاسيما فى محفل غاص. ومنها أن معاداة المشركين الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] كانت أكبر من أن يغتروا بهذا القدر فيخروا سجدا قبل أن يقفوا على حقيقة الأمر (نيسابورى فى الموضع السابق، الفخر الرازى فى الموضع السابق). ومن الاعتبارات الأدبية ما يسوقه القاضى عياض بقوله "ووجه ثان، وهو استحالة هذه القصة نظرًا وعرفًا، وذلك أن الكلام لو كان كما روى لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم ومن بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن لا لا يخفى عليه ذلك، بل هذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه، واتسع فى باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه"! (القاضى عياض: الشفاء جـ ٢ ص ١٣٠ طبعة الهند) وهذا القول يوضحه النظر فى السياق من سورة النجم وأنه تعييب للآلهة وحط من شأنها {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (٢٣ النجم) فكيف يقحم قبل هذا قوله "تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن لترتجى"؟ ! وكيف يوضع هذا وسط ذلك السياق، فيسيغه المشركون، بل يعجبون به ويطربون له, ويسجدون مع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] ويشاع إسلامهم جميعًا! وفى المقام بعد ذلك نفى الله لشفاعة الملائكة فى قوله {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (آية ٢٦ النجم) فكيف ترتجى شفاعة أصنامهم حين تنفى شفاعة الملائكة على هذا النحو، وكيف يتلاءم هذ فى المزاج الأدبى لأساطين القول، الذين تحدوا بالقرآن! بل لأى عربى!