للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البقرة الآية ١٠٠، سورة الأعلى، الآية ٦ وما بعدها) (١) ولا يتعارض مع حجة


(١) يقول الكاتب إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] قد نسى عدة آيات من القرآن الكريم وهذا لا يتفق مع دعوى المسلمين أن القرآن الكريم وصل إلينا من غير تحريف، ويستشهد لنسيان الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] عدة آيات من القرآن بآية ١٠٠ من سورة البقرة ولعلها ليست إلا آية ١٠٦ فى المصحف المكى، وهى؛ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ كما يحتج لذلك بآية ٦ من سورة الأعلى، وهو ولا شك يريد آيتى ٦، ٧ من هذه السورة وهما {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}. وهو احتجاج واضح الدخل وإليك إجمال القول فى بيان ضعفه وسوء حاله:
عن الآية الأولى:
١ - فى آية {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا .. } قد فسرت الآية بالمعجزة، وما يؤيد الله به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم. وهو من معنى الآية لغة؛ ويقويه جد التقوية ختم الآية بأن الله على كل شئ قدير؛ والتعقيب بأن له مُلك السموات والأرض وأن لا ولى من دونه ولا نصير، ثم القول فى إرادتهم أن يسألوا رسولهم كما سئل موسى من قبل من الآيات والدلائل المؤيدة والمعجزات؛ وهذا الرأى فى تفسيرها هو الذى ارتضاه الأستاذ الإمام وأوضح أوجه تأييده له- تفسير المنار جـ ١، ص ٤١٦ وما بعدها؛ وورد فى هذا الوضع تعليق من المرحوم صاحب المنار، أن هذا الرأء، قد سبق إليه ابن عربى فى تفسير له. ولا أخال الفقيه اللغوى كاتب مادة "أصول " ألا يجد بمزاجه الأدبى فى العربية قوة هذا الرأى وعذوبته. وعلى هذا التفسير تخرج الآية من موضوع النسيان تمامًا. وإن لم يرقه هذا الوجه فى تفسيرها فليقدر على فرض أن المراد من الآية القرآنية، ما يأتى:
٢ - أن كلمة "ننسها" فى آية البقرة، فيها أكثر من إحدى عشرة قراءة- أبو حيان: البحر المحيط جـ ١، ص ٣٣٤ - وفيها عدة معان، فهى بمعنى التأخير، أو بمعنى الترك، أو من النسيان المعروف؛ - الطبرى: ١ - ٣٧٩ وما بعدها، وكشاف ١، ص ٢٢٩ وأبو حيان فى الموضع السابق وغيرهم من المفسرين. وإذا كانت الكلمة تحتمل هذه المعانى فكيف تحكم الكاتب فجعلها للنسيان فقط وطوى كل هذا فى استشهاده واحتجاجه؟ ! على أنّا لو فرضنا أنها من النسيان فقط. فسنجد:
٣ - أنها ليست شاهدًا مطلقًا على دعواه أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نسى آيات، وأخل هذا بصيانة الكتاب عن التحريف؛ لأن الكلام فى إنساء الله إياه، لا فى نسيانه هو؛ وإنساء الله له الآية كعدم، إيحائها، وهو بالنسيان بعد ذلك يؤدي رسالته أما لو أراد الله إبلاغها فنسيها ولم يؤدها فهذا هو المحرف للوحى، وليس هو المذكور فى الآية: إلا أن يتحكم فى اختيار قراءة بعينها ويرفض ما عداها ولو لم تكن من القراءات القوية، على أنه إن يرد ذلك فسنسايره أيضًا فنرى:
٤ - أنه على أبعد التنزل والمسايرة، ومع فرض قصر الكلمة فى الآية على "تنسها" بتاء الخطاب وهو أبلغ ما يطمع فيه المستشهد، على هذا كله لا تشهد الآية لا على وقوع النسيان، ولا على الإخلال بصيانة الكتاب عن التحريف.
أما أنها لا تشهد بوقوع النسيان فعلا؛ فلأن الكلام على صورة الشرط- ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير ... - وكل ما تفيده حصول الجواب إن حصل الشرط، لا وقوع الشرط فعلا، فكلمات الشرط تدخل على المستحيل مثل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ولئن أشركت ليحبطن عملك، خطابًا للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]. ونظير هذا أن تقول: ما ينصف الأستاذ يصل إلى الحق، تريد وقوع هذا بوقوع ذاك، وليس من معناه وقوع الإنصاف من الأستاذ فعلا، وهذا الملحظ قديم أورده المفسرون- بيضاوى جـ ١، ص ١٧٨ - نيسابورى جـ ١: هامش الطبرى ص ٣٦٠ - فمعنى الآية: إن تنس تلاف الله نسيانك.
وأما أن الآية لا تشهد بشئ من الإخلال بصيانة الكتاب عن التحريف، فهو أن الله يحدث أنه مراقب الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] مشرف على الحال، مبدله بما ينساه خيرًا منه،