البيزنطى حنا الشميشيق فاعتدى على الأراضى الإسلامية وتوغل جنوبا حتى بلغ مشارف قيصرية، ولكن ما لبث أن وافاه أجله، إلا أن الخطر القديم الذى كان يهدد رخاء المدينة إنما جاء هذه المرة من ناحية بدو بنى جراح وهم من قبائل طئ وكانوا بقيادة شيخهم "مفرج ابن دغفل" الذى اغتنم فرصة ما اتسمت به خاتمة حكم الإخشيديين من الاضطرابات فتمكن فى سنة ٣٦٠ هـ (٩٧١ م) فى دعم مركزه فى السهل الساحلى لاسيما حول الرملة. واستغل نفوذ هؤلاء البدو فى خلال نصف القرن الأول من حكم الفاطميين حتى لقد استطاع مفرج بن دغفل من محاصرة المدن الساحلية فيما بين عامى (٣٩٧ و ٤٠٤ هـ حاكما تابعا له ١٠١٤ و ١٠١٢ م) ثم ذهب أبعد من ذلك حين أقام من مدن فى فلسطين (راجع يحيى بن سعيد الأنطاكى، طبعة شيخو ص ١٦٠، ٢٠١)، فلما كانت سنة ٤١٤ هـ (١٠٢٤ م) عين الخليفة الظاهر والى قيصرية وهو منتخب الدولة عاملا على فلسطين وفوضه السلطة الكاملة فى القضاء على بلاد حسن بن مفرج الذى كان قد خلف أباه فى قيادة بنى جراح (انظر خطط المقريزى، طبعة القاهرة ١٢٧٠، جـ ١ ص ٣٥٤).
وعلى الرغم من أن قيصرية لم تشتهر بأنها مركز إسلامى للعلم إلا أننا نطالع فى المصادر أسماء بعض علمائها ممن عاشوا بها ودرسوا فيها (معجم البلدان لياقوت جـ ٤ ص ١٢٤، ٧٧٨, وابن تغرى بردى النجوم الزاهرة جـ ٢ ص ٢٠٤، وابن عساكر جـ ٤ ص ١٨٥، ٢٣٢، ٤٦٠).
لم تهدد الحرب الصليبية الأولى قيصرية تهديدا خطيرا إلا أنه فى عام ٤٩٤ هـ (= ١١٠١ م) قام الصليبيون بعد اعتلاء بلدوين الأول عرش القدس بمهاجمة المدينة يعاونهم فى هذا الهجوم أسطول جنوة، وبعد أن سقطت أرسوفيوم ٢٧ جمادى الثانية (٢٩ أبريل) حاصروا قيصرية وسقطت فى أيديهم يوم ١٧ مايو، ولقد كوفئ الجنوية لقاء مساهمتهم فى الغزو بأن