وقد تم الاستيلاء على المدينة فى شوال سنة ١٩ هـ (سبتمبر/ أكتوبر ٦٤٠ م) بعد حصار يبدو أنه دام سبعة أشهر، ولكن بولغ فيه فى كثير من المصادر العربية فجعلته سبع سنوات، ووقع فى أشر المسلمين يومذاك أربعة آلاف محارب (راجع الفتوح للبلاذرى ١٤٠ - ١٤١, ٢١٢ فتوح مصر لابن عبد الحكم ٥٧ - ٥٨، وتاريخ اليعقوبى ١٧٢ - ١٧٣ والعقد لابن عبد ربه جـ ١ ص ١٢٤, ومعجم البكرى ٧٥٧، وتاريخ ابن عساكر جـ ٤ ص ٣٩٥). ولقد اعتبر قيصرية الشام هذه مركز دفاع رئيسى تحول بين نزول البيزنطيين إلى الساحل، كما اغتنم الروم ثورة عبد اللَّه ابن الزبير وقاموا بمهاجمة كل من قيصرية وعسقلان وخربوهما، ولكن ما كاد عبد الملك بن مروان يجمع السلطة فى يده حتى رمم الموضعين وأعاد تحصينهما وتحصين مناطق أخرى ساحلية مثل عكا وصور (البلاذرى ص ١٤٢) غير أن عزوف العرب عن ركوب البحر [آنئذ] جعل من الصعوبة بمكان على الخلفاء الأمويين حمل المقاتلين العرب على الاستقرار فى المدن الساحلية.
ومرت قيصرية الشام بطور من التدهور زمن العباسيين الذين صرفوا عنايتهم إلى ولاياتهم الشرقية لعدم اهتمامهم الاهتمام الواجب ببلاد الشام وقام أحمد بن طولون (٢٥٤ - ٢٧٠ هـ/٨٦٧ - ٨٨٣ م) بتحصين الساحل الفلسطينى مرة ثانية، لكننا لا نجد أية إشارة إلى هذا الموضوع يتعلق بقيصرية التى كانت الرمال قد ملأت ساحلها يومذاك.
ويلاحظ أن جغرافيى العرب من أهل القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) وناصر خسرو (رحالة القرن الخامس الهجرى) يعبرون إلى خصوبة إقليم قيصرية الشام ووفرة منتجاتها الزراعية وإن كانوا قد أمسكوا عن الإشارة إلى مينائها (انظر المقدسى ٣٥، ١٥٤، وناصر خسرو فى سفر نامة ١٨، والإدريسى ولى سترانج فى فلسطين فى ظل الحكم الإسلامى)، غير أنه فى سنة ٣٦ هـ (٩٧٥ م) قام الأمبراطور