ونعود بعد ذلك إلى قوله عن أقوال الصحابة وأفعالهم، فهو يذكر: إنهم كانوا يحتجون بأقوال الصحابة وأفعالهم ... إلخ وهذا ليس صحيحًا. لأن أقوال الصحابة من حيث هى أقوال الصحابة لا يحتج بها وإنما يحتج بها من حيث هى سنة عن الرسول عليه السلام. والأصوليون فى الأخذ بها قد جروا على دقتهم، ففرقوا الفرق العميق بين عبارات الأداء لهذه الأقوال واختلفوا حولها، فعندهم: أن قول الصحابى: قال رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كذا مما يختلف فى أنه عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أولا؛ وقول الصحابى: سمعت رسول الله يأمر بكذا وينهى عن كذا مما يختلف فى كونه حجة، وقوله: من السنة كذا قد اختلف فى جمله على سنة الرسول - الآمدى: إحكام، جـ ٢، ص ١٣٥ - ١٣٩. ثم مذهب الصحابى المجتهد قد اتفقوا على أنه لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين ولو كان إمامًا أو حاكمًا أو مفتيًا، واخطفوا فى كونه حجة على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين، والمختار أنه ليس بحجة مطلقًا. ثم يعد القول بأن مذهب الصحابى ليس حجه واجبة الاتباع، قد اختلقوا فى أنه يجوز لغيره من المجتهدين تقليده أولا، والمختار امتناع ذلك مطلقًا: - الآمدى: الأحكام. جـ ٢، ص ٤٨٥ - ٤٨٦، جـ ٤، ص ٢٠٨ - ٢٠٩. وهذا ابن حزم يضع الصحابة فى رأس من لا يقلد. فيقول بعباراته القوية المعروفة " .. أو وجد، أى الإنسان - نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحدًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب فمن دونه فليعلم أن الله تعالى قد أقسم - يريد قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} الآية - وقوله الحق أنه ليس مؤمنا، وصدق الله تعالى. وإذا لم يكن مؤمنا فهو كافر، ولا سبيل إلى قسم ثالث، وليعلم أن كل من قلد من صاحب أو تابع أن مالكًا وأبا حنيفة والشافعى، وسفيان، والأوزاعى، وأحمد وداود رضى الله عنهم متبرئون منه فى الدنيا والآخرة ويوم يقوم الأشهاد" - ابن حزم: الأحكام جـ ١، ص ٩٩. وليس القول فى أفعال الصحابة على غير هذا التقدير لأقوالهم فلا احتجاج بهذه الأفعال من حيث هى أفعال صحابة، إلا أن يتعلق الكاتب فى ذلك بما يذكره المالكية من عمل أهل المدينة كما سيشير إليه بعد، وليس النظر لهذا العمل من حبث هو عمل الصحابة خاصة، فلا وجه معروف لما ذكر هنا. أمين الخولى