بسط هذه المبادئ المحدودة نوعًا ما انتهى بهم الأمر إلى التوسع فى تأويلها توسعًا خرج بها عن معناها الأصلى، وربما كان سببا فى ظهور أحاديث جديدة.
وفى الوقت نفسه لم يكن الخلفاء- باعتبارهم رؤساء للدولة وخلفاء للنبى [- صلى الله عليه وسلم -]- محرومين من الجهود التشريعية بل ومن تغيير أحكام النبى [- صلى الله عليه وسلم -](انظر ماسبق). وربما صح تاريخيًا ما تقوله الروايات من أن أبا بكر كان يحتذى حذو النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى هذا الأمر، بينما كان عمر أكثر ميلا إلى التعديل والتغيير. على أن الصلة بالقانون العرفى ظلت كما هى دون تغيير، حتى بعد أن تعرض لكثير من المؤثرات الأجنبية نتيجة للفتوح العظيمة فى العراق والشام ومصر.
٤ - ولما جاء بنو أمية وانتقل مقر الحكم إلى دمشق، فقدت جماعات المؤمنين فى المدينة- التى كانت مقر الحكم قبل ذلك- كل نفوذ فعلى فى أمور الحكومة، فأخذوا يكرسون أنفسهم فى حمية وحماسة لتصوير المثل الأعلى لما يجب أن تكون عليه الأشياء، وكان ذلك المثل مباينًا لما كانت عليه فى الواقع.
وكان القانون العرفى يسود أقاليم الخلافة المتعددة دون منازع، ويتطور جنبا إلى جنب مع النظام الفعلى للقضاء. وذلك لأن خلفاء بنى أمية إلى عهد عمر بن عبد العزيز كانوا بوجه عام لا يميلون كثيرًا إلى تغيير ذلك القانون العرفى وإنشاء مقاييس تنهض على أساس دينى. وقامت مبادئ التشريع الإسلامى لأول مرة فى المدينة ثم فى العراق والشام. وأولئك الرجال الصالحون الذين عملوا بادئ الأمر دون أن تكون لهم خطة مرسومة أو منهج معين، كانت غايتهم تصحيح مادة القوانين التى كانت موجودة عند ذاك، والتوفيق بينها وبين مبادئ الدين الإسلامى وسلكها فى نظام خاص، واستمدوا آرائهم الدينية من الكتاب والحديث اللذين كانوا يتقيدون بهما. وكانوا يحتجون أيضًا باقوال الصحابة وأفعالهم (صحيحها ومنحولها)(١) ويعتبرون أنفسهم خلفاء لأولئك الصحابة، وإذا اتفق كثرة
(١) أول ما يلاحظ أن الكاتب فى كلامه هنا عن أقوال الصحابة وأفعالهم، يضع بين قوسين كلمتى "صحيحها ومنحولها" كما أنه عندما يذكر فيما بعد هذا