للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والسياسية. على أن جوانب هامة من التشريع الخاص بالعبادات -كشعائر الصلاة مثلا- لم ينظمها القرآن وإنما احتُذى فيها حذو النبى [- صلى الله عليه وسلم -] واهتُدى فيها بهداه. كما أن بعض الأحكام التى وضعها محمد [- صلى الله عليه وسلم -] لم ترد فى القرآن، وهى عادة قليلة الأهمية، ولم تطبق تطبيقًا عامًا بالرغم من صدورها عن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] (انظر- Noldeke Schwally المصدر المذكور آنفًا، جـ ١، ص ٢٦٠).

ومن أول الأمر لم توضع حجية النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الإسلام موضع الشك حتى فى الأمور التى لم ينص عليها الكتاب. ولكن فى الوقت نفسه كانت أفعاله تعتبر بشرية بحتة حتى ما مس منها أمور الدين، فكانت بهذا لا تعتبر معصومة عن الخطأ (١). ونقدت هذه الأفعال أكثر من مرة. وكأن الكتاب نفسه يلومه أحيانًا على بعض أفعاله (سورة ٦١، الآية ١).

٣ - وبموت النبى [- صلى الله عليه وسلم -] انتهى بالطبع التشريع الذى كان يقوم على التنزيل أو على حُجية النبوة، وكان من الطبيعى أن يحاول الخلفاء الأول السير بالأمة الاسلامية على سنة منشئها مسترشدين فى ذلك برأى كبار صحابة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -]. وكانت المبادئ التى استرشدوا بها هى ما ورد فى الكتاب وماصح من أحكام الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] فيما يرد له ذكر فى الكتاب. ولما حاولوا


(١) يقول الكاتب إن أفعال الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] التى تمس أمور الدين لا تعتبر معصومة من الخطأ، وهذا القول- على إطلاقه- غير صحيح، إذ المقرر أن أفعال الرسول عليه السلام، وإذا ما كانت عن وحى لا تحتمل الخطا مطلقًا، وإذا كانت عن اجتهاد -والمختار أنه عليه السلام يجتهد فيما لا نص فيه من أمور الدين وغيرها- الآمدى: إحكام جـ ٤، ص ٢٢٢ وما بعدها - فإذ ذاك قد يقع فيها الخطأ وحينئذ تنقد. وأصوليو الحنفية حين يقسمون الوحى إلى ظاهر وباطن، ويريدون بالوحى الباطن اجتهاد الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] يقولون: إن الوحى الظاهر لا يحتمل الخطأ، لا ابتداه ولا بقاء، والباطن- الاجتهاد -يحتمل الخطأ ابتداء لا بقاء- صدر الشريعة ابن مسعود: التوضيح فى أصول الفقه جـ ٢، ص ١٦. على أن الكاتب يناقض نفسه فيما بعد هذا بقليل، حين يقول: "وإذا كان الجانب الأكبر من الفقه ينهض على سنة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] .. فقد اعتبر المسلمون أن السنة منزهة عن الخطأ" فإن أفعال الرسول عليه السلام من السنة التى يعتبرونها منزهة عن الخطأ كما يقولون. فكيف كانت هنا غير معصومة عن الخطأ عندهم حتى فيما يمس امور الدين، وكانت هناك معتبرة عندهم منزهة عن الخطأ؟ !
أمين الخولى