للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحالات التى يشتد فيها التناقض بين تلك الآيات. ولم يكن قصد محمد خلق نظام يضبط به حياة أتباعه، أو وضع أصول هذا النظام على الأقل (١) بل ظل القانون العربى القديم -الذى تضمن كثيرًا من العناصر الدخيلة من رومية إقليمية وبابلية، ويمنية- يسير فى الإسلام سيره الطبيعى، ودخلت عليه بعض التغيرات لتلائم بينه وبين الظروف الإقليمية للبدو وأهل مكة وهى مدينة تجارية، وأهل المدينة وهى مركز زراعى. وكان هم محمد فى التشريع قاصرًا على تصحيح بعض المسائل مدفوعًا إلى ذلك باعتبارات دينية. وذلك لأن الأحكام التى تمس الحياة الاجتماعية تقوم أيضا على أساس دينى. وفى مثل هذه المسائل كانت الحوادث الخارجية هى الدفاع إلى معالجة أكثرها.

ويبلغ عدد الآيات المعروفة باسم الآيات الشرعية ما بين خمسمائة وستمائة آية، بما فيها الآيات الخاصة بالعبادات العامة والأمور الحربية


(١) يحكم الكاتب بأنه لم يكن قصد الرسول عليه السلام خلق نظام او وضع، صول هذا النظام على الأقل إلخ. وهذا الحكم على القصد غريب فى حساب المنطق العلمى، مهما يكن للاستاذ من قدرة على تبين النوايا والمقاصد، وهذا الحكم، شد غرابة حين ترى الواقع الخارجى من حياة الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] شاهدًا على وضع هذا النظام وتقرير، أصوله فقد أخذ من حوله بنظامه ثم بعث بعوثه لتعليم هذا النظام، وولى قضاته ليحكموا به، وسأل بعضهم كيف يعملون فى أخذ الأحكام لما يعرض لهم من أقضية فقالوا نلتمس الحكم فى القرآن، وإلا ففى سنتك وإلا فاجتهاد برأينا. ولا حاجة بنا للاستشهاد على ذلك، فهو أشهر من أن يستشهد له.
ثم ما يذكره الكاتب بعد ذلك من سير العرف السير الطبيعى، وتعديله بما يلائم .. إلخ ليس فى شيء من الشهادة. لما ادعاه من عدم القصد إلى وضع نظام .. ولا معنى لإيراده إلا أن يكون الكاتب قد اعتد هذه الحسنة فى متابعة نواميس الاجتماع البشرى وعدم الإعنات بالاصلاح سيئة، ومن رأيه، أن التشريع ووضع النظام أو وضع أصول النظام على الأقل لا يكون إلا بقلب أوضاع الحياة للمجتمع المُرد تنظيمه وسلخ الأمة من ماضيها وتجريدها من وراثتها وتقاليدها، وهو مالا معنى للمناقشة فيه.
وإني لأعرف أن القول بعدم قصد الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] إلى وضع نظام ... إلخ قد قال به قبل ذلك بعض هؤلاء القوالين من دارسى الإسلاميات، لكن فى غير هذه المناسبة ولغير هذا الشاهد وإن لم يكن أقوى منه هنا. ولن تقصد الإطناب فى ذلك. ولكنما أشير إلى صنيع الكاتب فى تتبع متفرقات الشبه التى عرض بضعة منها فيما لا يجاوز الصفحة وعرضها قلقة فى مكانها تلتمس منزلًا غير مادة أصول الفقه، وحسب القارئ هذه الاشارة لئلا يتبدد عليه البحث. أمين الخولى