للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لشتى نواحى الكرخ خلَّفها لنا الخطيب البغدادى واليعقوبى وابن الفقيه ومخطوطة المشهد التى لم تطبع بعد، على أن أعظم عرض لهذا الجانب إنما هو لسهراب فى كتاب العجائب الذى جمع فيه كل القنوات والمجارى المائية.

وكان الشيعة يؤلفون الغالبية العظمى من سكان الكرخ، فلما كان مطلع القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كثرت المناوشات بين الشيعة والسنة لاسيما فى المنطقة الممتدة من الأحياء المجاورة لباب البصرة وباب المحوّل، وكان الخراب والدمار اللذان ألَمّا بالناحية شديدين شدة مفزعة وذلك خلال فترة تدهور سلطان البويهيين وزمن السلاجقة الذين جاءوا بعدهم ولم تجد الحكومة عندها ميلا لفتح الأسواق كما لم تتوفر عندها الأموال اللازمة لذلك.

ولقد زادت الصراعات والمصادمات حدة بين شيعة العاصمة وأهل السنة زمن البويهيين أصحاب الميول العلوية ثم تفاقم خطر هذه الصراعات فتحول إلى قتال دموى فى الشوارع بين الطائفتين المتنازعتين وأصبح ذلك أمرا مألوفا غير مستغرب عند أحد، وصار القتل سمة تتسم بها الحياة اليومية هناك، مع ما يصحب ذلك من النهب والسلب والحريق، وكانت الكرخ فى بؤرة هذا النضال الشديد ولا ترى سكانها إلا وهم مشرعون خناجرهم ضد السنة من أهل الأحياء المجاورة (مثل باب البصرة وغيره) حتى أن جلال الدولة (٤١٦ - ٤٣٥ هـ = ١٠٢٤ - ١٠٤٤ م) الذى بلغ الوضع فى أيامه ذروة الخطورة اضطر فى إحدى المرات (فى سنة ٤٢٢ هـ = ١٠٣١ م) للفرار إلى الكرخ مع رفاق له من الشيعة، ثم إنه فى سنة ٤٤٥ هـ = ١٠٥٣ م) أدت هذه الفتن إلى تحويل جزء كبير من الكرخ إلى هشيم كما حدث من قبل زمن الخليفة الواثق (٢٢٧ - ٢٣٣ هـ = ٨٤٢ - ٨٤٧ م) حيث شب حريق هائل بالكرخ دمرّها وخرب عامرها فصارت يبابًا، لكن سرعان ما أمكن التغلب على آثار هذا الدمار، وقد لاحظ الخطيب البغدادى (وهو من أهل القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) أن معظم قنوات الرى فى