يومه قد طغى عليها الطمى وطُمست معالمها، ولقد تضاءلت هذه الضاحية فى العصر الحديث حتى صارت ضاحية جدباء غامرة على شاطئ النهر بعد أن كانت فى يوم من الأيام السالفة منطقة كبيرة عامرة.
على أنه بمرور السنين ازدحمت الكرخ بكثير من المساجد والمزارات واتسعت رقعتها حتى أصبحت تشمل كل النصف الجنوبى الواقع غربى نهر دجلة، وكان من أشهر مزاراتها مزار شيخها وابن محلتها معروف القيزران الكرخى المتوفى سنة ٢٠٠ هـ (= ٨١٦ م) كما يوجد بها قبر يزعمون أنه قبر زبيدة زوجة هارون الرشيد ولا يبعد عن سابقه أكثر من ثلاثمائة ياردة وهو إلى الجنوب منه، ولقد جدّد القبرَ والضريحَ الخليفةُ الناصر (٥٧٥ - ٦٢٢ هـ/ ١١٨٠ - ١٢٢٥) ثم كثرت عمليات الترميم فيهما منذ ذلك الحين.
وكان قبر الكرخى منذ مطلع القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) واحدا من أشهر أماكن الحج فى بغداد وهو يقع وسط جبانة رائعة كما كان الشأن زمن بنى العباس، أما فيما يتعلق بالقبر الذى يقال له قبر زبيدة (راجع لى سترانج وماسينون وهيرتسفلد، وأما عن غير هذين من المشاهد الموجودة فى الجانب الغربى من بغداد فانظر ماسينون، شرحه ٦٤ وما بعدها، ٩٤ وما بعدها).
لم تكن الكرخ أكبر أحياء النصف الغربى من بغداد فقط بل كانت أيضا أطولها حياة. وذلك أنه لما أخذ الخراب يعم كافة النواحى يوما بعد يوم بقيت الكرخ وحدها بمعزل عن ذلك الدمار، بل أنها حتى زمن ياقوت (بدءًا من القرن السابع الهجرى = الثالث عشر الميلادى)، كانت أشبه ما تكون ببلدة قائمة بذاتها مثل ما كانت عليه فى السنوات الأولى التالية لبناء بغداد، وكانت على بعد ميل تقريبًا من منطقة باب البصرة التى كانت لا تزال آهلة بالسكان (وهذه المنطقة الأخيرة أعنى منطقة باب البصرة تقع فى الجنوب الشرقى من مدينة المنصور القديمة المعروفة بالمدينة المدوَّرة) ولما تقدمت السنون وجاءت العصور الوسطى