des Qorans , جـ ٣، ص ١٣٠ وما بعدها وص ١٣٥) أصبح هنا يدل على كثرة العلماء كثرة تقرب من الإجماع. وكان مالك فى الوقت نفسه يأخذ بحجية عمل أهل المدينة، وهو ليس بحال من الأحوال عين سنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]. والإجماع وعمل أهل المدينة يرتبطان فى نظره أشد ارتباط. ويمثل لنا كتابه مقدار ما وصلوا إليه فى عهده فى المدينة من صبغ القانون العرفى بالصبغة الإسلامية، كما يبدو ذلك من مقابلة ذلك العصر بما جاء بعده. وقد بلغت هذه الصبغة غايتها الآن.
ولا شك فى أن المصنفات العظيمة التى كتبها الشيبانى كان لها فى العراق أثر يشابه أثر مصنفات مالك فى المدينة.
٦ - والشافعى المتوفى عام ٢٠٤ هـ (٨٢٠ م) هو واضع علم الفقه الإسلامى. وفضله هو أنه بعث اليقظة فى الفكرة الفقهية الإسلامية فأصبحت علمًا، وأنه لا يبرهن عند الحاجة إلى الدلائل وابتغاء الوصول إلى نتائج عملية فقط، بل يبرهن دائمًا ومبدئيًا، ويبحث أيضا شروط الاحتجاج التشريعى وطرقه بوجه عام. وقد خطا بعلم أصول الفقه خطوات هامة اعتمدت على تطور هذا العلم قبل الشافعى. وقد انتهى الشافعى إلى ما انتهى إليه أهل العراق من قبل فى تعريف "السنة" بأنها مصدر للتشريع باعتبارها فعل النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، كما عرف الإجماع بأنه الرأى الذى أخذ به كثرة المسلمين، واعتبره مصدرًا ثانويًا لإيضاح المسائل التى لا يمكن تقريرها من الكتاب وسنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، وهو يؤيد حجية الإجماع باعتبارات عامة وأحاديث تأمر بالتمسك برأى أمة المسلمين. ولم يكن الشافعى يعلم إلى ذلك الوقت بالحديث الذى ذكر كثيرًا فيما بعد وهو "لا تجتمع أمتى على ضلالة". وكان صبغ القانون بالصبغة الإسلامية قد تم بوجه عام قبل مالك، غير أن الشافعى بذل جهدًا عظيمًا فى تنظيمه. وللوصول إلى ذلك الغرض انصرف الشافعى -إلى حد ما- عن الطريق المألوف فى التفكير الفقهى.
ولم يكن الشافعى واضع طريقة القياس، غير أنه كان له كبير الأثر فى تنشئته والتوسع فى تطبيقه. وطريقة القياس هى بالضرورة طريقة الرأى،