اصطنعها تحت اسم القياس، لأن الناس كانوا أقل نفورا من هذا الاسم. على أنه من الواضح أنه قد حدّ من استعمال هذه الطريقة، ويظهر أن أهل العراق استعملوا القياس للتخلص من الأحاديث الضعيفة وأحاديث الآحاد. وحاول الشافعى أيضًا وضع قواعد معينة لاستعمال القياس، ولكنه كان قليل التوفيق فى ذلك. ولم يتغلب القياس حتى فى العصور المتأخرة -وبالرغم من التحديدات فى طريقته- على الغموض الذى يجعله مجردًا من القوة القاطعة فى الإقناع. ويظهر أن القياس عند
الشافعى مرادف للاجتهاد فى معناه القديم، ذلك المعنى الذى كان يجعل الاجتهاد مرادفًا للرأى أى استعمال الفقيه لعقله. وكان اهل العراق وكذلك أهل الحجاز يستعملون الاستحسان كنوع من أنواع الرأى. والاستحسان عبارة عن الانحراف عن النتيجة التى نتوقعها بحق من القياس، لاعتبارات عقلية أو عملية إلخ.
وقد هاجم الشافعى طريقة الاستحسان فى عنف، لأنها طريقة ذاتية، وقال بصحة القياس وحده. وبهذه الطريقة، صبغ الشافعى علم الأصول بالصبغة الاسلامية فى روية وتبصر.
٧ - إن التطور الذى حدث بعد الشافعى عند المدرسة المعتبرة، انتهى إلى أن الكتاب والسنة والاجماع والقياس هى الأصول الأربعة للفقه، ويفهم هذا التطور فقط من تتبع تاريخ هذه الأصول، ومن تطورات إضافية مفصلة. من هذه التطورات استقرار الصلات المتبادلة بين الكتاب والسنة، فقد كان الشافعى يرى أن السنة تبين أحكام الكتاب وأن القرآن لا ينسخه إلا القرآن، وأن السنة لا تنسخ إلا بالسنة. وكان البعض، قبل الشافعى وجميع من جاء بعده، يرى أنه من الممكن أن ينسخ الكتاب بالسنة، فكانوا بهذا لا يضعون السنة فى منزلة الكتاب فحسب، بل فى منزلة فوقه. على أن النتائج الفقهية العملية لم تكد تتأثر بهذه الاختلافات النظرية. أما الإجماع فكانوا فى العصور المتأخرة لا يكتفون فيه برأى كثرة المسلمين، ولكنهم كانوا يطلبون