للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اتفاق جميع الفقهاء الذين يعيشون فى وقت واحد من عصر ما، وكان هذا الاتفاق ملزمًا للأجيال المقبلة. ولكنهم لم يقصدوا من الاجماع أبدًا معناه الحرفى. والاجماع بهذا المعنى لم يظل تابعًا للقرآن والسنة فحسب، بل اعتبر مؤيدا لهما نظرًا للاعتقاد العام فى تنزهه عن الخطأ، ذلك الاعتقاد الذى نشأ من اعتبارات عامة ومن النص عليه فى الحديث الذى ذكرناه من قبل وتذكر أيضا لتأييد ذلك آيات فى القرآن مثل الآية ٩٨ من سورة آل عمران والآيتين ٨٥، ١١٥ من سورة النساء. بل إنهم جعلوا للإجماع، آخر الأمر، قوة نسخ أحكام الكتاب والسنة، كما حدث مثلا فى مسألة التوسل بالأولياء والاعتقاد فى عصمة الأنبياء.

وهناك أبواب هامة من التشريع الإسلامى تقوم على الاجماع وحده، مثل: الخلافة واعتبار سنة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]، ملزمة للمسلمين، والأخذ بالقياس إلخ. وجملة القول فى هذا الموضوع إن التشريع الاسلامى كله يستمد سنده من الاجماع المنزه عن الخطأ الذى يضمن صحة التشريع واتفاقه مع المعنى الصحيح المقصود من الكتاب والسنة. وقد فهم الطبرى (٣١٠ هـ = ٩٢٣ م) الاجماع فى جوهره على هذا النحو. وذلك هو رأى أهل السنة بوجه عام، ولكن المالكية وحدهم يعرفون الاجماع بأنه أولا إجماع الصحابة، وثانيًا إجماع جيلين من بعدهم يسمونهم التابعين وتابعى التابعين، فهو عندهم إذن كعمل أهل المدينة، موطن السنة الصحيحة. على أن المالكية يجعلون لهذا الإجماع أيضًا نفس القوة التى أعطاها له الآخرون.

وبعض الحنابلة والوهابيين وكذلك الظاهرية الذين سنتكلم عنهم فيما بعد، قصروا الإجماع على اتفاق صحابة النبى [- صلى الله عليه وسلم -]؛ وقد أدى هذا إلى اختلاف عظيم فى العقيدة. أما الأباضية من الخوارج فلا يقرون إلا اتفاق فرقتهم ويطلبون إجماعهم جميعًا. وفى الوقت نفسه كان هناك عدة آراء مختلفة عن الاجماع فى العصر المتقدم. فبعد