للكيميائيين وتأملاتهم كاملة فى حد ذاتها من ناحية، ومكتملة بالتجارب المعملية من ناحية أخرى، ذلك أن الخبرة التى اكتسبت عبر هذه التجارب قد أدت بدورها إلى ظهور نوع جديد من الكتابة والنظريات.
وأغلب الظن أن للكيمياء دورًا أكبر فى تقدم العلم التجريبى منه فى الطب أو العقاقير أو الفيزياء أو الفلك. ولقد تم إنجاز تجريبى هام يتمثل فى أكسدة الزئبق حيث عرض هذا الزئبق لنيران هادئة جدا لمدة تزيد على أربعين يوما. وقد أورد "المجريطى" -وهذا اسم مستعار- وصفا لهذه العملية فى كتابه "رتبة الحكيم"، وأكد أن وزن المادة ظل كما هو -دون تغيير- قبل التجربة وبعدها. وصور لنا ابن شُهَيْد (٣٨٢ - ٤٢٦ هـ/ ٩٢٢ - ١٠٣٥ م) تجهيزات المعمل فى صورة تدعو للإعجاب. إذ كانت به أجهزة عديدة:"أُثَال" للتقطير والتصعيد، و"قَرْع" يوضع فوقه الأنبيق، وبوتقة لصهر المعادن وتنور (موقد كبير) لتوليد درجة حرارة عالية، وقنينة وقِدْر أو "طِنْجَر" و"سُكُرُّجة" وهاون. وكثير من الأجهزة أطلقت عليها أسماء من يقال أنهم مخترعوها، مثل "أتون فيثاغورس" و"بئر زوسم" و"حمام ماريا". وكانت التدابير -أى العمليات الكيميائية- تتم بواسطة مثل هذه الأجهزة والأوعية والأفران.
وكان إجراء هذه العمليات يسلك طرقا -هى فى جوهرها- نفس الطرق التى استخدمتها الكيمياء اليونانية. ومعظم المصطلحات الفنية العربية مترجم عن مفاهيم يونانية. وكان تحليل أى مادة يتم بالماء أو الأحماض أو القلويات، أما التعفين فهى عملية تفتيت الجزئيات مع الاستعانة بالماء. وهناك عمليات التقطير والتصعيد والتكليس، وهناك أيضًا التجميد والتعقيد لتقوية وتثبيت مادة ما. وعملية التبييض تعنى صنع الفضة، والتحمير صنع الذهب. إلا أن كثيرًا من الكيميائيين لا يستخدمون هذه المصطلحات أو غيرها من التعبيرات إلا استخدامًا رمزيا فحسب، أو بمعان مختلفة تمام الاختلاف خشية أن ينكشف سرهم، ولذلك كان فهم