على معرفة تامة بهذا العلم. فكما أن الحديد والصلب يمكن أن يصلا إلى درجات من الجودة والنقاء باستخدام علم المعادن -أى باستخدام مهارة الإنسان، فكذلك فى مقدور المرء أن يصطنع طرقا لصناعة الذهب ذلك المعدن الذى يتم إنضاجه بطريقة طبيعية فى باطن الأرض. غير أن الادعاء بقدرة الإنسان على محاكاة الطبيعة، هذا الادعاء ذاته كان موضع تفنيد شديد من أبى حيان التوحيدى وأبى على بن سينا. فالكيميائيون لا يستطيعون سوى عمل شئ يشبه فى الظاهر المعادن الثمينة، غير أن الحواس لا تدرك الفصول (الفروق النوعية) فى المعادن بعد إجراء العمليات الكيميائية، بل تدرك اللوازم والعوارض فحسب. أما جوهر المعدن الخسيس فيظل كما هو دون تغيير. وظل ابن سينا -بسبب أقواله هذه- هدفًا لمجادلات كل الكيميائيين الذين جاءوا بعده ولا سيما الحسين بن على الطُّغرائى وأيْدَمِرْ بن على الجِلْدَكى. ففى كتاب "حقائق الاستشهاد" الذى ألَّفه الطغرائى عام ٥٠٥ هـ/ ١١١٢ م كتب أهم دفاع عن الكيمياء؛ فهو يرد على اعتراض ابن سينا بقوله إن العمليات الكيميائية لا تخلق على الإطلاق فصلًا جديدًا (فَرْقا نوعيا) بل إن كل ما تفعله هو إعداد المادة لكى تتلقى هذا الفصل أو الفرق النوعى الذى يمنحه إياها اللَّه الخالق. والطُّغرائى بذلك يضع فى اعتباره جبهة علماء الكلام ونقدياتهم، وقد وجد هذا النقد لسان حال له فى كل من ابن حزم الأندلسى وابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم الجوزية (ت ٧٥٠ هـ/ ١٣٤٩ م). فقد تضمن كتاب ابن القيِّم الجوزية "مفتاح دار السعادة" هجومًا -استغرق مائتى صفحة- ضد كل العلوم السرية وبوجه خاص التنجيم؛ فهو يرى -شأنه شأن ابن سينا- أن الكيميائيين لا يفلحون إلا فى إضفاء المظهر، ولكنهم غير قادرون على صنع ذهب حقيقى أو فضة حقيقية. وكذلك ابن خلدون كان خصما للكيمياء، ورأيه فيها أنها نوع من السحر. ولقد كانت الشروح النظرية