التواليف غلبت عليهم الناحية الأولى فذكروا كثيرًا من الأمثلة للأضداد منها ما هو فى المفرد كالقُرْء قالوا أنه للطهر والحيض معًا ومنها ما هو فى الفعل. قالوا: ظن تكون للشك واليقين والرجحان جميعًا. ومنها ما هو فى التراكيب قالوا: تهيبت الطريق وتهيبتنى الطريق بمعنى، وهذا من الأضداد. ومنها ما هو فى المتعلقات مثل رغب عنه ورغب فيه. ومع غلبة الناحية الأولى عليهم لم يفتهم التكلم فى الناحية الثانية ومعالجتها بالبحث والإدلاء فيها بالآراء المختلفة، ما يمنع منها وجود الأضداد بهذا المعنى فى اللغة، وما يجيز.
فإذا جارينا وجهة النظر الأولى لم يكن لنا أن نلاحظ شيئًا على ما ذكروه من الأمثلة المختلفة لأن معنى الضد لا يلزم أن يتحقق فى كل واحد منها تمامًا. ويظهر أن شمول البحث فى للك التواليف العربية للناحيتين معا متلاصقتين متتابعتين إبهم على كاتب المادة وأمثاله فذكر الملاحظات التى ذكرها والتى منها هو جدير بالاعتبار إذا قصرنا البحث على وجهة النظر الثانية.
وإذا نحن اتجهنا بالبحث الوجهة الثانية كان علينا أن نأخذ فيها برأى ركين. وقبل أن نستعجل هذا الرأى بالمنع أو الجواز ينبغى ألا يعزب عنا أن التضاد مناف لطبيعة اللغة وأنه لا يسهل التفاهم بين الناس، فمن الصعب أن نقبل أن المعانى الأولية المتضادة يتفاهم الناس عنها بلفظ واحد. والصعوبة التى تنشأ من التضاد أكبر جدًا من التى تنشأ من الاشتراك، وإذا قيل أن القرائن توضح المراد كان هذا تسليما حقا بمنافاة التضاد لطبيعة اللغة لأن الاعتماد على القرائن ليس من طبيعة اللغات فى سذاجتها وإنما هو طور آخر فوق ذلك. ولن نتعجل الرأي بوجود الضد فى اللغة بهذا المعنى أو عدم وجود -وإن لم نعدم لكل رأى أنصارًا- حتى نستعرض الطوائف التى استخلصناها مما ذكروا من أمثلة الأضداد. وقد وجدناها على كثرتها لا تعدو عشر طوائف: