وأمثلة هذه الطائفة أكثر من أمثلة ما عداها، ولو أردنا تحقيق الضدية تمامًا فى هذه الطائفة لعز علينا درك ذلك لأن المعنى متحقق فى كل من المتعلقين على حد سواء. فكل من المغيث والمستغيث يصرخ، وليس صراخ أحدهما ضدًا لصراخ الآخر بل كل منهما فرد من أفراد الصراخ، ولا يمكن أن يقال أن أفراد المتواطئ تكون أضدادًا فإن هذا محال.
وإن جاز لنا أن نعتبر ما فى هذه الطائفة من التضاد لكانت الأوصاف كلها أضدادًا، فإن بياض اللبن ضد لبياض الطباشير لأن الطباشير ضد اللبن كالمغيث ضد المستغيث، ولا يمكن أن يجتمع الطباشير واللبن فلا يجتمع بياضاهما فهما ضدان وهذا هراء. بل يعدو الأمر الأوصاف إلى كل التراكيب التقييدية وغير التقييدية لأن كل مركب يفيد معنى لا يمكن أن يجتمع مع معنى يفيده تركيب مغاير قلت المغايرة أو كثرت، وحينئذ نصير إلى أمر عسير إذ لا تكون اللغة كلها إلا أضدادًا وإذ لا بحث إلا بحث الأضداد.
الطائفة الثانية - أمثال: كأس للإناء وللشراب ملء ذلك الإناء، والسليم للصحيح والملدوغ، والناهل للريان والعطشان، والمفازة لمحل الفوز والصحراء القاحلة محل الهلاك.
واذا طبقنا بسائط علوم اللغة على أمثلة هذه الطائفة وجدنا المعنى الثانى مجازيا لكلمة والأول هو المعنى الحقيقى ليس غير. ومعنى الضدية لا يتحقق بين الحقيقة والمجاز لأنهما لا يتساويان فى فهمهما من الكلمة وإنما الذى يفهم هو المعنى الحقيقى فقط ولا يفهم المعنى الثانى إلا بقرينة وبالانتقال من المعنى الأول حتما فيفوت معنى الضدية.
ولو جاز لنا أن نعتبر هذه الطائفة من الأضداد لصرنا إلى العنت والإرهاق لأن كل لفظ فى اللغة له استعمالات تجوزية إذ لا بد لكل معنى حقيقى من معنى آخر مجازى له ولو المعنى الذى يلزم عنه فتكون اللغة كلها من الأضداد.