وبهذا يكون صدر الملاحظة الرابعة فى مادة الكاتب باطلا إذ يقول إنها قد تدخل أحيانًا فى باب الأضداد وفوق هذا فهذا الصدر متضارب مع عجز هذه الملاحظة ونهايتها، وتكون الملاحظة الخامسة صحيحة ولكنها عين الرابعة لأن الكل من باب الحقيقة والمجاز ما عدا صيغ "فاعل " وأمثالها وللك سترد فى طائفة أخرى.
الطائفة الثالثة - أمثال: وثب عند حمير "قعد" وعند غير حمير "نهض"، سجد عند طيئ "انتصب" وعند غير طيئ "انحنى"، ولمق عند بنى عقيل "كتب" وعند قيس "محا" والسدفة عند بنى تميم " الظلمة" وعند قيس "الضوء".
وجلى أن التضاد لا يتحقق إلا إذا اعتبرنا اللغتين معًا، واعتبارهما معا مخل بأصل التضاد، إذ لابد فيه من وضع واحد، وليس ذلك فى اللغتين بل كل منهما بوضع خاص قد يجهله صاحب الوضع الآخر تمام الجهل، ولا يمنع من ذلك أن كلا من اللغتين عربى ولا يمنع منه أيضا تسمية كل منهما لهجة، فاتصالهما بالعربية وتسمية كل منهما لهجة ثابت مع وجود هذا الجهل بأحد الوضعين وهو محقق لوجود الوضعين فى المعنيين، يدل على ذلك ما تتناقله كتب الأدب أنه خرج رجل من
بنى كلاب -أو من بنى عامر بن صعصعة- إلى ذى جدن، فأطلع إلى سطح والملك عليه، فاختبره فقال له: ثب، فقال: ليعلم الملك انى سامع مطيع. ثم قفز من السطح فمات، فسأل الملك: ما شأنه؟ فقيل له إن الوثب فى كلام نزار الطمر، فقال الملك: ليست عربيتنا كعربيتهم، من ظَفَّر حَمَّر. (يعنى من وصل ظفار فلينطق بلغة حمير).
فلو كان العربى يعرف هذا المعنى الثانى لجلس فاستجاب للملك ونجا من الموت. وما مثل اعتبار التضاد من لهجتين إلا كمثل اعتباره بين لغتين مستقلتين لأن المدرك فى الجميع واحد وهو تعدد الوضع المفيد لتعدد المعنى؛ فهل يسوغ لنا أن نقول إن كلمة (رِجْل) من الأضداد لأنها تنطق فى العرَبية والفرنسية سواء ومعناهما مختلف، فهى فى العربية عضو من أعضاء الإنسان وفى الفرنسية regle المسطرة والقاعدة.