ومعاهدتى سان ريمون (٢٥ أبريل ١٩٢٠) ولوزان (٢٤ يوليو ١٩٢٣ م) التى أنهت الإمبراطورية العثمانية من الناحية الرسمية، فإن مجلس عصبة الأمم بقراراته فى ٢٤/ ٧/ ١٩٢٣، و ٢٩/ ٩/ ١٩٢٣، وضع لبنان تحت الانتداب الفرنسى. وفى ٢٦/ ١١/ ١٩٤١ م، اعترف الجنرال كارو Carreaux بتفويض من فرنسا الحرة، بأن لبنان "دولة مستقلة ذات سيادة" وفى أكتوبر ١٩٤٣ م، عقب انتخابات بشارة الخورى المسيحى المارونى لرئاسة الجمهورية، وتعيين رياض الصلح السنى المسلم، رئيسا لمجلس الوزراء، ظهر التشكيل الوزارى للحكومة الجديدة، وأصبحت لبنان عضوا بالجامعة العربية بعد تأسيسها عام ١٩٤٥ م.
وكان اسم لبنان الكبرى قد تغير ليصبح الجمهورية اللبنانية عام ١٩٢٦ م، وأنشأ الدستور نظاما برلمانيا وليبراليًا. وعندما اجتمعت للحكومة اللبنانية مقدراتها، أكدت على هذه النظم من خلال الميثاق الوطنى، وعلى ذلك عهد برئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، ورئاسة مجلس الوزراء إلى المسلمين السنيين، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة. وهنا يكمن لب المشكلة ففى ظل الأخذ بنظام تشريعى، حثت عليه الجمهورية الفرنسية الثالثة، جرى تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية اللبنانية، تبعا للتقسيم الطائفى.
وتفرض الثقافة الاجتماعية على لبنان مبادئها، وهى تضرب بجذورها فى الماضى البعيد؛ فالمسيحيون يقدمون مبررات تاريخية كثيرة. أنهم يوظفون التاريخ الفينيقى وغيره لتأصيل الوجه المسيحى للبنان، أما المسلمون فيتحدثون دائما عن حضارة واحدة.
كان الساحل اللبنانى الذى احتضن الموانى النشطة، مأهولا بالسكان منذ فجر التاريخ، والذى وردت أسماء موانئه بشكل مضطرب فى نصوص العهد القديم، والتى كشف عنها علم الآثار المعاصر، عن مراحل ومستويات السكنى، كتلك التى امتدت لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، من الانتصارات والكوارث، فى موقع جبيل الفريد. وفى ظل السيادة الرومانية، وظهور حركة النقل عبر البحر المتوسط المصاحبة لها، أنشئ المضمار (ميدان السباق الكبير)