فى صور، وكان يتسع لـ ٣٠٠٠٠ مشاهد، والذى كشفت عنه عمليات التنقيب التى بدأت فى الستينيات.
وقد شهدت أيضا جبال لبنان التى تكسوها الغابات، وتمتد صخورها فوق الشريط الساحلى الضيق، ظهور الإنسان فى مرحلة مبكرة جدا، كما تدل عليه أسماؤها الكنعانية والآرامية؛ ويحتمل أن كان سكانه مشتتين حتى نهاية الفترة القديمة، وكان يتمثل نشاطهم فى استغلال الأخشاب ونقلها، واجتذبت مدن الساحل أيضا، التى كانت مثوى للآلهة، حجاجا لزيارة الأضرحة المجاورة لآثار المعابد، التى شيدت فى العصر الرومانى.
وقد أدى الفتح العربى -بتغييره لطبيعة القوى وموازينها- إلى ظهور طرائق مختلفة عن ذى قبل -لاستثمار موارد لبنان، ففى حين كانت سهوله الساحلية الضيقة المؤدية للبحر عاملا مسهلا ومشجعا لكل المغامرين القادمين من الغرب مما جعلها -أى هذه السهول- غير ملائمة تماما لحياة الاستقرار والرخاء فإن سلسلة جباله أصبحت ساحات للمواجهات بين البيزنطيين والمسلمين، وربما كانت تتم هذه المواجهات من خلال السكان النزاعين للقتال وعلاوة على ذلك، كان الاستقلال الذاتى الفعلى الذى تمتع به هؤلاء السكان، مشجعا على استمرار ونمو الهرطقة، وعلى ظهور نزعات الأقليات الدينية.
وفى المنحدر الغربى من جبل شديد التحذر، بين جرفه الأول الذى تجزئه الاختناقات العميقة وسهوله الجيرية فى الشمال، أو تلاله الجنوبية، كانت الظروف ملائمة للزراعة والاستقرار البشرى فوق المرتفعات الواقعة ما بين ٩٠٠ و ١٥٠٠ متر، حيث كشفت عوامل التعرية عن تربة خصبة. وشكلت الأحجار الرملية والرمل والطين وصخر البازلت تضاريس مفتوحة، وتوفر فيها المناخ المعتدل والهواء صحى والمياه الغزيرة. وبلغ معدل سقوط الأمطار السنوى عند هذا الارتفاع ما بين ١٠٠٠ و ١٥٠٠ مم، وكانت معظم الأمطار تسقط فى الفترة من نوفمبر إلى مارس، وأثناء فصل الصيف، تحتفظ التربة بالمياه التى تمتصها فى فصل