الشتاء فى صورة ثلوج. وتروى سلسلة الجبال اللبنانية عند ارتفاع تندر فيه المياه، لأنها تمنع تيارات الهواء الرطب القادمة من الغرب، وتكون حاجزا بين البحر والسهل. وخلف الواجهة الشرقية الشديدة الانحدار، يصبح منخفض سهل البقاع الداخلى اكثر جفافا؛ فالتغيرات المناخية واضحة تماما؛ وتحل محل منطقة البحر المتوسط الساحلية، السهول السورية الممتدة وراء الجبال الشرقية. وكان وادى البقاع من مناطق زراعة القمح، وقد قدم إليه مواطنو الجبل من أجل البحث عن احتياجاتهم من الحبوب.
وعندما انتهت المخاطر التى فرضها الفرنجة والمغول، كان الغزو العثمانى لسوريا فى عام ١٥١٦ م لحظة فاصلة لهذا الإقليم الجبلى فلم يعد منطقة متنازع عليها؛ حيث أصبح مركزا للانطلاق، نظرا لأنه، كان واقعا فى نقطة تلاقى اتصالات الطرق الملاحية والبرية الواسعة فى الدولة العثمانية الشاسعة. واستطاع سكانه أن يطوروا أنشطتهم، ويؤكدوا أصالتهم. وشجع النظام العثمانى على توسيع الشبكة الاقليمية لنقل التجارة للمسافات البعيدة؛ وعلى ذلك أصبح فى مقدور سكان الجبل الحصول على فائدة متميزة من مصاطبهم المزروعة، التى تنتج العنب والزيت وخصوصا الحرير فى المناطق الوسطى، والقطن والتبغ فى الجنوب. وكانت أسواقهم فى البداية، مراكز محلية للصناعة والاستهلاك، وكانت دمشق وحلب من عملائها الرئيسيين. وانتشرت تجارة ضخمة فى أطراف هذه المناطق الداخلية وعلى كل الطرق الداخلية والموانئ الساحلية بطرابلس وبيروت وصيدا، وجعلتهم حلقة اتصال بطرق مرور الملاحة الساحلية، التى تذرع جيئة وذهابا بين فلسطين والأناضول ومع مصر، والمغرب وموانئ أوروبا المسيحية، مرسيليا على وجه الخصوص، التى اتصل تجارها وعملاؤها وقناصلها، لممارسة أنشطتهم التجارية فى ظل نظام الامتيازات.
وكتدعيم لنفوذ السلطان الذى تأكد من خلال سيطرته على المدن والسهول،