صفراء لا أسباب تمنع النور أن يُرى صافيا. أما علة رؤية الأشياء حُمرا فلشيئين: أحدهما الأسباب المعفِّنات والآخر الأسباب المذوِّبات، فالمعفِّنات لكثرة الرطوبة، والمذوِّبات لكثرة الحرارة. وأما الخضرة فهى من أجل غلبة الرطوبة الأرضية على النور، ومنع البصر إياها، أو منع النور أن يصير إلى البصر صرْفا. وقد جعل اللَّه الهواء أزرق والنبات أخضر لكى يكونا فى صالح مخلوقاته. والواقع أن هذين اللونين يتصفان بأنهما صحيان للرؤية، أما ألوان قوس قزح فهى أربعة: أحمر، أصفر، أخضر، أزرق. وكل لون من هذه الألوان يطابق كيفية من الكيفيات الأساسية الأربع وهى: الحرارة والجفاف، والرطوبة، والبرد، كما يطابق عنصرا من العناصر الأربعة وهى: النار، والهواء، والأرض، والماء -وأخيرا رفض أخوان الصفاء نظرية الفيض أو الصدور. عند ابن سينا (توفى ٤٢٨ هـ/ ١٠٣٧ م). أدرج ابن سينا -شأنه فى ذلك شأن أرسطو- دراسة الجهاز الحسى ضمن العلوم الطبيعية. وخصص فصلا بأكمله فى كتابه الشفاء لدراسة مشكلات الرؤية واللون. وهو يرى أن الضوء من الكيفيات التى تعمل عملها فى الأجسام الشفافة، بينما اللون فى الأجسام المعتمة. وهذه الأجسام تكون معتمة بالقوة. وقد يوجد اللون دون أن يكون مرئيا، ولكن لا يقوم اللون بالفعل إلا بفضل نصاعته. وواقع الأمر أن الألوان لا وجود لها فى الأجسام. والجسم الأسود القاتم هو جسم ملون بالقوة. والشئ الذى يبدو ملونا حين يسلط عليه الضوء لا يكون ملونا فى الظلام، لقد جرد من لونه المتحقق بالفعل. والهواء والماء والقبة السماوية هى بمثابة وسيط شفاف وفى نفس الوقت ناقل. إن الجسم المضئ يتعامل مع الجسم الملون دون أى تغيير أو تعديل وإنما يؤثر على الوسيط الشفاف. فوجود الضوء -يجعل من الجسم الشفاف بالقوة جسما شفافا بالفعل- وبإزدياد الضوء يزداد ظهور اللون وتجليه. وهو يرفض النظرية القائلة بأن البياض لون والسواد ظلمة، لأن الأسود منير ويضفى نورا على