أشياء أخرى غير ذاته. وبالتالى فاللون لا يتمثل فى الأبيض وحده. واللون المطلق -أو الجنس العام للون- ليس هو النور بل النور هو سبب ظهور اللون وسبب نقله. ومن هنا كان النور من مكونات ذلك الكائن المرئى الذى نسميه "لون". إد أن اللون الموجود بالفعل هو نتيجة لالتقاء النور باللون الموجود بالقوة. أما الألوان المتوسطة فهى نتيجة مزج الأسود والأبيض.
أما ابن الهيثم (توفى ٤٣٠ هـ/ ١٠٣٩ م) فى كتابه "البصريات" فقد اتخذ موقفا مخالفا لأولئك الذين انكروا وجود اللون وجودا حقيقيا، وأعلنوا أنه مجرد مظهر يتوسط العين ومصدر النور. فهو يرى أن ظهور اللون يتأثر بالفعل بنوع النور الذى يحمله وأن نفس اللون قد يتحول طبقا لدرجة النور المتاح، ومع ذلك يظل للون، وجود المستقل. وقد كشف شارحه كمال الدين الفارسى (توفى ٧٢٠ هـ/ ١٣٢٠ م) الصلة الأساسية بين النور واللون -ففى الظلمة توجد الألوان بالقوة فى الأجسام الملونة، وتتحول إلى ألوان بالفعل حين يسلط الضوء على هذه الأجسام.
وابن حزم (توفى ٤٥٦ هـ/ ١٠٦٤ م) خصص فقرة من كتابه "فِصَل" للحديث عن اللون. ونقرأ فى هذه الفقرة أن الهواء غير مرئى لأنه لا لون له، فى حين أن الماء مرئى لأنه أبيض اللون. كذلك النار لا لون لها فى الكرة السماوية، أما اللون الذى نراه حين نحرق الخشب، أو حين تحترق ذبالة المصباح أو أى جسم آخر إنما هو مستمد من مقدار الرطوبة التى تحتويها هذه الأجسام -فعند عملية الاحتراق تتحول الأجسام إلى هواء نارى والألوان التى تكتسبها هذه الأجسام المحترقة تتحدد بالمواد التى تتكون منها- كما أن جزئيات الرطوبة هى التى تسبب ظهور قوس قزح. وقد شرع فقيه قرطبة فى دحض "ما قاله القدماء" الذين رأوا أن الأبيض هو نتيجة لتفرق البصر بينما الأسود نتيجة اجتماع لهذا البصر. فهو يرى أن الأسود غير مرئى