لأن الإدراك الحسى لا يتحقق إلا عبر امتداد يضاف للبصر. لأن العين لا ترى سوى ما هو ملون، والأسود ليس لونا. إنه مجرد ظلمة أو هو لا وجود أو فقدان اللون ورؤية البصر. وحين نعتقد أننا "نرى" سود، فهذا يعنى أننا خاضعين لخداع بصرى. فحين نصف شخصا ما، أو غرابا أو رداء بأنه أسود فهذا بحكم العادة وعلى سبيل المجاز. وواقع الأمر أن كل جسم من هذه الأجسام له لونه الخاص، وهو لون غير أسود، أما عن الفرق بين الأسود الطافئ والأسود الساطع أو اللامع فهذا لا يرجع إلى الأسود نفسه بل يرجع إلى البريق أو الوهج أو الوميض وهو شئ مختلف ومتميز ويشكل لونا فى حد ذاته، وله تأثيره على كل الدرجات اللونية. ولعلنا نذكر أن أفلاطون قد أدرج "لون النور" ضمن الألوان الأربعة الأساسية. ولنا أن نقول عن ابن حزم إنه أيضا قد عد القتامة لونا خاصا لأن البصر يدركها، كما هو الشأن مع النصاعة والسطوع، ومن الواضح أن الفقيه صاحب المذهب الظاهرى كان واعيا بوجه خاص بتنوع الاحساس باللون. بل إنه أقام سلما متدرجا للألوان وفق مدى قوة الإحساس بها: الأبيض، الأصفر، الأحمر، الأخضر.
أما ابن باجة (توفى ٥٣٣ هـ/ ١١٣٩ م) فقد طور مذهبا بأكمله عن اللون فى مقاله عن "النفس" وفيه يظهر تأثير أرسطو واضحا، ويرى أن اللون هو بمثابة العنصر الحسى الأول، فالنفس الباصرة هى ملكة توجد فى العين وتجعلها قادرة على إدراك اللون. وهى مودعة فى الرطوبة الزجاجية بالعين التى كان الفلاسفة العرب يسمونها الرطوبة الجليدية. واللون -فى جوهره- شكل. ولا يمكن إدراكه إلا من خلال وسيط هو الهواء، وحين يوضع شئ ملون أمام العين مباشرة فإن العين تكون غير قادرة على إدراكه. وتقتصر وظيفة الهواء على نقل اللون حين يسلط عليه مصدر مضئ. ومن هنا يمكن صياغة فرضية مفادها.
أ) الألوان فى الظلمة موجودة بالقوة فقط وليس لها وجود فعلى.