الذكر بخمس وثلاثين سنة، ثم أُصلح هو الآخر، أما الكارثة الأخيرة التى ألمت بالسد فلم تقع على ما يبدو إلا فى بداية القرن السابع، وبعدها تحولت مأرب إلى أرض جرداء لا تخرج إلا الأشواك والطرفاء.
ونظرا لضرورة إزالة الترسبات التى تخلقها الفيضانات عقب كل انهيار للسد ليعود بعد ذلك الوادى إلى سابق عهده، نجد عملية الإصلاح هذه تزداد صعوبة فأدى ذلك فى نهاية المطاف إلى الظروف عن تشييد السدود.
وربما كان ثمة أسباب سياسية واجتماعية وراء ما آل إليه حال منشآت السد من خراب إستمالت معه المثابرة على تجديدها. لقد أسفر النزاع بين الإمارات والأسر الحاكمة فى جنوب بلاد العرب قديمًا عن وَهَن السلطة المركزية وتفكك أوصال المجتمع الذى كان على حظ من حسن التنظيم، وأدى ذلك بدوره إلى تعاظم نفوذ القوى الأجنبية كالحبشة وفارس الساسانية، أضف إلى ذلك أن الاختراق المركز الذى قامت به قبائل شمال بلاد العرب أحدث قدرًا متزايدا من (البداوة)، والإضمحلال فى الحضارة الريفية القائمة على الزراعة والرى.
وكان ثمة صلة بين ذلك وبين هبوط عدد السكان. ويرى المؤلفون العرب أن الأحداث التى سبقت إنهيار السد وكذا الانهيار ذاته قد أدت إلى هجر سكان واحة مأرب بها، ولابد أن نربط بين ذلك وبين هجرة القبائل عن بكرة أبيها من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها كبنى غسان على سبيل المثال. وتدلنا النقوش السبئية على أن إرجاع هذا الإنهيار إلى القرن الثالث أو الثانى أو الأول لا يقوم عليه دليل رغم تسليم كثير من المؤلفين بذلك سواء منهم المسلمون أو الأوربيون وأقرب المؤلفين العرب إلى الصواب هو ياقوت إذ أرجع حادثة الانهيار إلى فترة سيطرة الحبشة على تلك البلاد (المعجم ٤، ٣٨٣، ٢٠)، كما لا نجد سوى المسعودى هو الذى يُرجع ذلك الإنهيار إلى أسباب طبيعية وربما تسللت روايات عن إنهيار مماثل حل بذلك السد من قبل إلى أساطير إرتبطت بهجرة أهل مأرب فيها، أن عمرو بن عامر الأزدى وهو أحد حكامها، تَطَيَّرت زوجته (ظريفة) من رؤيا رأتها فحذرته