فى عهد هارون الرشيد. وكان هذا اللقب يطلق عليه فى البلدان الغربية اسم "قاضى الجماعة". وسرعان ما أصبح لقاضى القضاة حق الإشراف على زملائه، خاصة مع نظام التفويض الذى يعنى أن القاضى المفوَّض هو مجرد وكيل عن القاضى الذى فوضه. وكانت أهم الوظائف القضائية المساعدة هى "الكاتب"، و"الشاهد"، والذين عملوا فى نفس الوقت كموثقين. وكانت هذه الوظائف هى فى الغالب أول الطريق لمهنة القضاء. وكان تمثيل المتقاضين عن طريق متخصصين قانونيين، أى المحاماة، أمرا مرفوضا من الوجهة النظرية، ومستهجنًا عمليا فى العهود الأولى. وعلى النقيض من ذلك، كان دور أهل العلم المتخصصين، كالمفتى، هو إعطاء المشورة المحايدة للقاضى. وكانت الفتوى فى الغالب بطلب كتابى من أحد الطرفين. هذا وقد تطورت عملية إسداء المشورة للخصوم، ثم تمثيلهم "الوكيل"، إلى "المحامى" الذى أصبح معروفًا فى العصور المتأخرة فى المحاكم الشرعية. أما بالنسبة للإجراءات، انظر دعوى. هذا وتعرف الشريعة أيضا، بجوار القضاء، نظام التحكيم.
ورغم تركيز القضاء فى يد القضاة فى العصر الأموى، والوقوف فى وجه أى تدخل من الولاة فى شئون القضاء، فإنه بدءا من العصر العباسى ظهرت الحاجة إلى دعم الوظيفة القضائية بنظام "نظر المظالم"، والذى كان يمارسه الخلفاء أو نوابهم من ولاة أو وزراء أو سلاطين، الذين كانوا مهتمين بإقامة العدل حتى مالوا إلى احتكار الوظيفة القضائية، رغم ما يقال من فصل نظرى بين نظامى القضاء ونظر المظالم، خاصة وأن القاضى لم يكن لديه سلطة تنفيذية لتنفيذ أحكامه عدا ما ترى سلطات الدولة وضعه تحت تصرفه. وهكذا تطور فى كل البلدان الإسلامية، بجوار القضاء الدينى، نوع من القضاء المدنى، وهو إن كانت الشريعة تمثل خطوطا عامة له، إلا أنه كان مؤسسا أساسا على قواعد العدالة والأعراف، ويتبع إجراءات مرنة وأكثر تساهلا. وقد كان هذا الاتجاه معززا بتعاليم القرآن الكريم الآمرة بإطاعة