هاجروا إلى الحبشة شرعوا فى العود إلى بلادهم غير أنهم حين عادوا تبينوا أن جبريل [عليه السلام] كان قد أخطر محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن جملتى الغرانيق ليستا جزءا من السورة وإنما هما من تلبيس الشيطان، فاضطر المسلمون العائدون إلى طلب حماية بعض العشائر قبل تمكنهم من دخول مكة من جديد.
هذه القصة الغريبة التى نجدها أيضا فى ابن سعد (دون سيرة ابن هشام) يرفضها معظم المسلمين ويرونها اختراعا لاحقا، وإن معظم كتاب السيرة من الأوروبيين يقبلونها على أساس أنه من غير المعقول أن تكون من اختراع المسلمين فى عصور تالية. غير أن هذا السبب غير كاف فى حد ذاته، ولا يمكن قبول القصة كما رواها الطبرى والواقدى وابن سعد كحقيقة تاريخية لأسباب عدة أوردها القرآن الكريم. وإن لم يكن من المستبعد تماما احتمال وجود أصل لها.
غير أن هناك قصة أخرى من الفترة المكية يصعب تفسيرها، وهى قصة مقاطعة بنى هاشم. فقد كانت مساندة عشيرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] له هى التى وفرت له الحماية أثناء صراعه مع أهل مكة. فمعظم أفراد عشيرته أدوا واجبهم فى شهامة تجاهه، وإن لم يؤمن برسالته إلا القليلون منهم. ويبدو أن عمه عبد العزى (أبا لهب) كان الوحيد ذا النفوذ فى العشيرة الذى عارضه وهى معارضة أضحت من القوة بحيث لعنه القرآن الكريم هو وزوجه فى سورة المسد.
ولذا فقد كان من الطبيعى أن يحاول أهل مكة فى النهاية أن يضعفوا بنى هاشم بأسرهم دون أن يجلبوا على أنفسهم عار إراقة الدماء فى هجوم صريح. غير أن القصة التى تروى كيف اضطروا الهاشميين إلى الانسحاب إلى شعبهم فى مكة، وكيف أقسموا ألا يتزاوجوا أو يتاجروا معهم تبدو مبالغا فيها. وقد اعترفت القصة نفسها بفشل محاولة أهل مكة. ومع ذلك فمن المحتمل أن تكون ثروة خديجة تأثرت تأثرًا شديدا نتيجة التزامات محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تجاه المعوزين من أتباعه، ونتيجة عداء كبار القوم من التجار ذوى النفوذ. ونجد القرآن الكريم هنا أيضا خاليا من