ساهمت فى تخفيف التوتر. وقد شهدت تلك السنوات زيادة ضخمة فى انتشار صيت محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى المناطق المحيطة مباشرة بالمدينة. فقد باتت مكة الآن بيده، وكان هناك بين البدو فى أماكن عدة ميل ملحوظ إلى الإذعان لإرادة فاتح مكة حتى يأمنوا هجماته، وينالوا نصيبا من الغنائم الوفيرة فى غزواته. مثال ذلك مجموعة قبائل عامر بن صَعْصَعَة، وبعض بطون قبيلة نفيم الكبيرة، وقبيلة أسد المجاورة، وقبيلتا بكر وتغلب فى الشمال بل وحتى فى المناطق البعيدة عن المدينة مثل البحرين وعُمان داخل نطاق النفوذ الفارسى، وبين الرؤساء فى جنوب شبه الجزيرة، توغّل الدين والنظام الجديد ولقيا أنصارا متحمسين فى بعض البقاع.
وبالإضافة إلى اليهود الذين خبروا بأسه من قبل، كان هناك أيضا عدد كبير من المسيحيين والزرادشتيين (المجوس) فى المناطق الشرقية والجنوبية من شبه الجزيرة العربية.
وكانت هناك تسوية طيبة مع أهل الكتاب، هى السماح بالزواج من الكتابيات وبالأكل مما يعدّه أهل الكتاب من طعام. {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. .} المائدة الآية ٥. ويذكر ابن سعد أن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] اعتبر المجوس (الزرادشتيين) من أهل الكتاب وذلك فى رسالة بعث بها إلى جماعة منهم فى هَجر. غير أنه حُظر على المسلمين الزواج من نسائهم أو الأكل من لحوم ما يقتلون من حيوان أو طير. غير أن هذا التوسع فى تفسير عبارة "أهل الكتاب" لا نجده فى القرآن الكريم. ومع هذه الاستثناءات نجد النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) قد اقترب من الهدف الذى ينشده، ألا وهو تكوين أمة على أساس دينى بحت. فقد ارتبط أهالى عدة أجزاء من شبه الجزيرة العربية برباط من الدين، مما كان كفيلا -فيما يبدو- بإنهاء النزاعات القديمة بين القبائل، ومشاحناتها التى لا تنتهى، وثاراتها الدموية، والهجاء اللاذع المتبادل بينها مما كان يثير دوما منازعات جديدة. وقد أصبح على المؤمنين أن يشعروا بأنهم إخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ