ولم يكن للرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى هذا الميثاق سوى رسول ونبى يرجعون إليه فى أمور دينهم ودنياهم، وحتى سنة ٥ هـ/ ٦٢٧ م كان الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لا يصدر أمرًا إلا بعد مناقشة رؤساء العشائر الآنف ذكرهم، لكن بعد فتح مكة ٨ هـ/ ٦٣٠ م كان لانتصار الإسلام بشكل رائع أثره فلم يعد أحد من غير المسلمين بقادر على تحدى قراراته. وسمى أهل المدينة بالأنصار تمييزًا لهم عن القبائل الأخرى التى أسلمت ودخلت فى (الأمة) الإسلامية.
وقد شهدت الفترة من هجرة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى موته سلسلة من الغزوات تزيد على السبعين كان عدد المحاربين المسلمين فيها يتراوح بين بضعة أفراد إلى ثلاثين ألفًا. وكان مقاتلو الغزوات الأولى الصغيرة من المهاجرين فقط، لكن فى غزوة بدر ٢ هـ/ ٦٢٤ م كان مقاتلو المدينة المنورة (الأنصار) يشكلون ثلاثة أرباع قوة المسلمين المقاتلة، وبعد انتصار بدر أصبح أهل المدينة جميعًا متقبلين لسياسة الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما عدا قلة من المنافقين. وبعد غزوة تبوك لم يغادر الرسول المدينة إلا ليحج حجة الوداع فى ذى الحجة/ مارس ٦٣٢ م، وبعد شهرين مرض ولقى ربه فى ٨ يونية سنة ٦٣٢ م، ولم يكن قد أوصى بمن يخلفه إلا أنه فهم من إنابته أبابكر ليصلى بالناس أنه قد استخلفه.
وقد أقام أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان رضى اللَّه عنهم فى المدينة فأصبح من الواضح أن المدينة -فى عهودهم- كانت هى عاصمة الدولة الإسلامية، وبعد مقتل عثمان لم يحظ على رضى اللَّه عنه بالقبول من بعض الولاة، فقد فضل الشوام أن يحكمهم معاوية، كما عارض طلحة والزبير عليًا رضى اللَّه عنه فى مكة ثم فى البصرة، وغادر على المدينة إلى الكوفة فى أكتوبر سنة ٦٥٦ م، ولم يعد، وهكذا حلت الكوفة محل المدينة المنورة كعاصمة، وعندما تم الاعتراف بمعاوية