"المصلحة", والمشهور أن مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) هو أول من لجأ للمصلحة لتخريج أحكام فقهية باستخدام "الاستصلاح" و"المصالح المرسلة". ورغم أن كتاباته لا تتضمن إشارة لمصطلحى المصلحة أو الاستصلاح، فإن أتباعه قد أوردوا حالات كانت فيها "المصلحة" كمفهوم شرعى هى ما لجأ إليه فى حكمه، ويذكر الشافعى فى "الرسالة" وابن سحنون فى "المدونة" حالة إجازة مالك لبيع التمر وهو لم يزل رطبا على أنه يابس، خلافا للأصل العام، كمثال لتطبيق "المصلحة كأساس للحكم الفقهى". ويُذكر أن الجوانى (المتوفى ٤٧٨ هـ/ ١٠٨٥ م) هو أول من لفت النظر لها، ولابد أن غيره من الفقهاء قد ساهم فى ذلك، قبل أن تخرج كمفهوم واضح المعالم على يد أبى حامد الغزالى (متوفى ٥٠٥ هـ/ ١١١١ م).
ويقول الغزالى إن "المصلحة" بالمفهوم الضيق يمكن أن تعرف بأنها استجلاب المنفعة ودفع الضرر، ولكنها تعتبر فى معناها الواسع المقصد الأسمى للشريعة، وتتضمن: حفظ الدين، والنفس، والنسل (أو النسب)، والعقل، والمال، ويبين أنِّ كل ما يؤدى إلى تحقيق ذلك يعتبر "مصلحة"، وكل ما يعوق ذلك يعتبر "مفسدة". والمصلحة عنده ثلاث صور:"الضرورات" و"الحاجات" و"التحسينات". ولتأسيس حكم على الصورتين الأخيرتين يجب اللجوء إلى دليل نقلى يطبق مع القياس. ولكن الصوره الأولى (الضرورات) تمثل أساسا قائما بذاته، باعتبار أن المصلحة بهذا الوصف هى المقصد الأسمى للشريعة. ويرفض الغزالى "الاستصلاح" كمصدر شرعى، قائلا إن القياس يغنى عنه. أما الضرورة فهى مصدر قائم بذاته. باعتبارها تبيح المحظورات ويضرب الغزالى مثلا لذلك، لو تترَّس "احتموا" بهم الكفار بعدد من المسلمين، فرغم أن الأصل هو تحريم قتل المسلم لأخيه المسلم، إلا أن قتل المسلمين مع الكفار فى هذه الحالة محققة لمصلحة المسلمين فى عمومهم، حيث إن الكفار لو كتب لهم الانتصار، سيبيدوا المسلمين، بمن فيهم أسراهم.