ولكن الغزالى يحذر من التوسع فى "استخدام" الضرورة، ويضرب لذلك مثلا لركاب سفينة مشرفة على الغرق، يريدون قتل البعض منهم لنجاة الآخرين.
ولكن التوسع فى استخدام المصلحة لم يأت من قبل المالكيين أو الشافعيين، بل من الفقيه الحنبلى "نجم الدين الطوفى" المتوفى ٧١٦ هـ/ ١٣١٦ م. فهو يتفق مع الغزالى فى كون المصلحة مصدرا مستقلا للتشريع بصرف النظر عن المصادر الأخرى وأن المصادر الأخرى تعترف بالمصلحة كمقصد أسمى للتشريع الإلهى، وبينما يقصرها الغزالى على "الضرورات"، يعممها هو لكافة المنافع العامة، ثم يذهب إلى أنه لو تعارضت مع أصل أن الأصول الأساسية، فإنها تكون الأولى بالتطبيق، باعتبارها المقصد الأسمى للتشريع. ويسوق أدلة نصية على ذلك من القرآن والسنة، أهمها الحديث "لا ضرر ولا ضرار" وعلى ذلك فإن مبدأ رعاية المصلحة هو المبدأ الذى له الغلبة فى "المعاملات" دون "العبادات".
وفى فترة انحسار الاجتهاد وغلبة التقليد، لم تجد المصلحة أنصارا لتطبيقها خاصة إذا كانت لا تعتمد على القياس أو على أية وسائل تخريجية (سوى أدلة عقلية أو نقلية أخرى) على أن أهمية مبدأ المصلحة قد تزايد فى العصر الحديث لدى الإصلاحيين من الفقهاء. فالإمام محمد عبده (المتوفى ١٩٠٥ م) يساوى بين الشريعة و"القانون الطبيعى"، وفتح الباب أمام الفقهاء لاستخدام المنطق فى استخلاص الأحكام [الاجتهاد] على أن تلميذه رشيد رضا (المتوفى ١٩٣٥ م) يمكن اعتباره أشد أنصار استخدام "المصلحة" كأساس للإصلاح الفقهى والقانونى والسياسى. مميزا أيضا بين "المعاملات" و"العبادات"، ونادى بتطبيق القواعد الشرعية عن طريق لجنة من العلماء على أساس الضرورات والمصالح. وهذا الاتجاه الإصلاحى المؤسس على المصلحة والتى يعبر عنها حاليًا بالمصلحة القومية غالبًا هو ما شجع الفقهاء القانونيين المعاصرين أمثال عبد الرازق السنهورى، على وضع تقنين مدنى مؤسس على مصادر غربية بالإضافة للشريعة الإسلامية.