ومعتزلة بغداد (دون أن يعنى ذلك انتماء جغرافيًا حقًا) بل اصطلاحى وبذلك ينقسم المعتزلة إلى أربع فرق فى علم الكلام تتميز كل منها عن الأخرى وهم المتقدمون والمتأخرون من كل من معتزلة البصرة وبغداد.
وأهم ما يميز هذه الفترة هو الخلافات الشديدة فى الآراء، وكان الهدف فى هذه المرحلة كان جمع أكبر عدد من الشخصيات البارزة على حساب الانتماء الفكرى، فعلى المستوى الشخصى، فليس هناك اختلاف أكثر مما بين اثنين من أتباع بشر بن المعتمر: ثمامة، المقرب من المأمون، فى نزعته لمذهب المتعة، وأبو موسى، الملقب "راهب المعتزلة"، فى تزهده، وطعنه فى كل من يتقرب من أصحاب السلطة. وعلى المستوى المذهبى، لم يكن الخلاف أقل مستوى فيختلف ضرار بن عمرو عن بقية أصحاب المذهب بالقول بأن الأفعال الإرادية من الإنسان هى من فعل اللَّه، مقتربا بذلك من جهم بن صفوان [صاحب مذهب الجبرية] لدرجة أنه يعتبر عند البعض خارجا على المذهب، ومن ثم فلا يورده القاضى عبد الجبار فى "طبقات المعتزلة". كما أن النظام يرفض قطعيا المذهب الذرى (انظر لاحقا) التى قال بها عمه واستاذه أبو الهذيل، وهو فى ذلك معتزل عن بقية المعتزلة أيضا. والأصم يرفض أيضا نظريات أبى الهذيل الخاصة بالكون، ولكن على أساس آخر، وهو رفضه لمفهوم "الحوادث" المؤسس عليها تلك النظريات. بل إنه لا يتفق مع المعتزلة فى أساسيات أصل المذهب، وسبب ظهوره، وهو المنزلة بين المنزلتين. كذلك منهم من رفض مبدأ خلود المسلم العاصى فى النار، وهم من يسمون "مرجئة المعتزلة"، ومنهم أبو شمر وابن عمران، من أصحاب أبى الهذيل، ومن بعدهم محمد بن شبيب.
ومن المعتزلة من تبنى آراء متطرفة، كما فى مذهب الزهد الذى نادى به أبو موسى، وتبعه فيه بعض من كبار المذهب. فهذا الاتجاه يقترب من الصوفية، ومن ثم التسمية "صوفية المعتزلة". وهؤلاء اتهموا من البعض بالهذيان، بل إن القاضى عبد الجبار،