ولكن الواقع أن المعتزلة لا يختلفون فى هذه النقطة عن معارضيهم. ومن ثم فيجب أن يطلق وصف العقلانية على كل "المتكلمين" فالمعتزلة فقط قد فتحوا الباب لذلك. (أما كونهم واضعى علم الألوهية كما يزعمون، فأمر محل نظر). فالسنة أيضا يرون أن إدراك اللَّه يكون بالعقل، ولا شئ غيره. ولذلك فالمنطق الذى يقال إن أبى الهذيل قد قال به لإثبات وجود اللَّه، وهو منطق "حدوث الجواهر" يأخذ به الأشاعرة وغيرهم. والسنة أيضا يجتهدون فى تفسير القرآن بما يتفق مع معتقداتهم. وإذا كان المعتزلة يبذلون فى ذلك جهدا أكبر ويبدو أنهم يخرجون كثيرا على حرفية القران، كما فى تفسيرهم للهدى والضلال، فما ذلك إلا لأن القرآن فى حرفيته أكثر اتفاقا مع السنة.
والشئ الآخر فيما يتعلق بالعقلانية هو وضع المعتزلة لتصورات عن العالم والبشرية ليست مستقاة من القرآن، بل من فلسفة الإغريق، ثم من افتراضاتهم بعد ذلك: تصور الأجسام كتجميعات من ذرات، التمييز بين المادة والعرض تفسير الظواهر الطبيعية، تعريف الإنسان، والحركة، وكيفية السمع والإبصار، ماهية النفس والروح والإرادة والمشاعر، إلخ. وهذا هو الجانب الذى يعتبر الأكثر إثارة للفكر الحديث. ولكنه أيضا ليس قصرا على المعتزلة، فالسنة لهم فيه نصيب، وكذلك علماء الكلام. ولكن المعتزلة قد أعطوا هذا الأمر أهمية أكثر مما يعطيه السنة، فليس فى السنة مؤلف مكرس بالكامل لقضية المادة والعرض مثل "التذكرة فى أحكام الجواهر والأعراض" لابن متاويه.
وليس الخلاف هنا بين السنة والمعتزلة كطوائف متجانسة، بل بين من يقبل الخوض فى علم الكلام ومن يرفضه، كالحنابلة والأشاعرة.
أما الجانب الخاص بالمعتزلة فى العقلانية فهو قولهم بأن الإنسان بعقله قادر على التمييز بين الخير والشر. وفى هذا الصدد أيضا لا يفعل القرآن