أخرى فلفظ الإيمان يستخدم فى القرآن للمديح، وهو ما لا يستحقه مرتكب الكبيرة. وليس معنى ذلك عدم استحقاقه الخلود فى النار، وإن كان عذابه فيها أقل من الكافر. وفى الحقيقة فليس كل المعتزلة عند هذا الرأى، الأمر الذى يخول لنا أن تتكلم عن "مرجئة المعتزلة"، وهم الذين لا يرون أن عذاب العصاة من المسلمين أبدى.
رابعا: العقلانية لدى المعتزلة: من الصحيح تماما وصف المعتزلة بالعقلانية، ولكن ما المقصود بذلك؟
ليس معنى ذلك بداهة أنهم يعتمدون على العقل وحده، دون اللجوء للتنزيل. فهم، كما أوضح أحمد أمين، ليسوا فلاسفة (رغم أن جدلهم يحمل مسحة من الفلسفة)، بل هم رجال علم الكلام فهم، مثل غيرهم من المسلمين، ينزعون إلى التفسير الصحيح للقرآن، وبيان العقيدة الحقة.
ولكن المعتزلة عقلانيون بالمعنى الصحيح للكلمة، بمعنى أنهم يرون أن هناك إدراكات تدرك بالعقل فى غيبة النص أو بالأسبقية عليه دون لجوء لتنزيل. فوجود اللَّه تدرك بالعقل، ولذا هم يعتبرون أن الواجب الأول على الإنسان هو معرفة اللَّه عن طريق العقل من حيث هو حى قادر حكيم سميع بصير، وأنه ليس بجسم، مكتف بذاته (غنى)، عادل، لا يريد شيئا سوى ما فيه الخير، وهكذا. وفقط حينما يثبت، بالعقل أيضا، صدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، (وهو ما يثبت بمعجزاته)، عندئذ يؤخذ بالقرآن. والقرآن فى الواقع لابد أن يؤكد كل ما ثبت بالعقل، وأى تعارض ظاهرى بين النص والعقل يجب تأويله، كما ذُكر سابقا. وليس معنى ذلك أن القرآن لا يمدنا بشئ خلاف ما أثبته العقل، فمن القرآن علمنا أن اللَّه فرض فروضا على العباد، وأنه سوف يبعثهم يوم القيامة، ويحاسبهم على أفعالهم، ويتبقى أن تتفق هذه الحقائق مع التفسير العقلى، خاصة فيما يتعلق بالعدل.