وتنزيه اللَّه عن الشر يقتضى أيضا وصفه بالحكمة، بمعنى أن أفعاله يجب أن تكون موجهة لغاية معينة، وإلا كانت نوعا من "العبث". والعبث فى حد ذاته من الأفعال الشريرة، بحسب ما يبينه العقل. فاللَّه إذا كان قد خلق العباد، وأمرهم بالتكاليف، فلابد أن له هدفًا من ذلك. فما هى الحكمة فى الخلق، ثم فى التكليف؟ لا يمكن أن يكون ذلك عن احتياج، فاللَّه منزه عنه. كما لا يتصور أنه خلق العباد للعذاب، وإلا كان ذلك محض ظلم. فالأمر المتصور الوحيد فى هذا الخصوص أن اللَّه خلق البشر لأن فى هذا صلاحهم "لينفعهم". وينطبق نفس القول على التكاليف، فهى لإيصالهم إلى السعادة التى يستحقونها جزاء لما تحملوه من مشقة. بل إن البعض من المعتزلة (أبو الهذيل والنظّام والبغداديون) يرون أن هذا الصلاح متحقق فى الدنيا والآخرة معا، ولكل البشر غنيهم وفقيرهم، صحيحهم وسقيمهم وفى كافة الأحوال. ولكن الجبائى لا يتوسع إلى هذا الحد. غير أن الجميع متفقون على تحقيق ذلك فى الآخرة. بل إن الجبائى يذهب إلى أن اللَّه واجب عليه أن يهب الكافر الحياة، ولو علم الأخير ذلك لاعتنق الايمان (وهذه النقطة هى التى دعت الأشعرى للخروج على الجبائى بعد أن كان من أتباعه).
وأخيرا، فلأن اللَّه لا يمكن أن يريد العذاب للبشر، فهو يتصور أنه يريد لهم ما يؤدى إليه من كفر أو خطيئة واللَّه يريد للبشر الخير والعمل الصالح.
ثالثا: تعريف الإيمان وعقوبة مرتكب الكبيرة: الإيمان بالنسبة للمعتزلة ليس فقط الانتماء لعقيدة الإسلام، بل هو أيضا، كما هو عند الكثيرين غيرهم، مرتبط بالعمل. ولذا فهم يسمونه "جماع الطاعات". والخلاف الوحيد هو فى وضع "النوافل"، هل تدخل فى ذلك أم لا ومن ثم كان الخلاف حول وصف مرتكب الكبيرة، فهو ليس بكافر لكونه لم ينكر شيئا من مبادئ الإسلام، كان يقول إن اللَّه ثالث ثلاثة، ومن جهة