التنفيذ. فالقدرة عند المعتزلة مرتبطة بحرية الاختيار، والتى أيضا يوجدها اللَّه فى العباد طبقا لمبدأ العدل. فالقدرة تعنى القدرة على الفعل وضده وهى بالتالى يجب أن توجد قبل الفعل، وهذه المسألة محل نزاع بين أهل السنة والمعتزلة، ويبدو أن القرآن ذاته يتضمن من الدلائل ما يؤيد الرأيين.
ومن البديهى ألا يكلفنا اللَّه إلا بما لدينا من القدرة على تنفيذه، وإلا كان الأمر "تكليفًا بما لا يطاق" -ما يناقض العدل وهذه القدرات هى جزء من الطاقة المطلوبة منه لكل المكلفين بالفروض.
وأخيرًا، فإن العدل يقتضى الثواب لمن يستحق، والعقاب لمن يستحقه فى الآخرة. أما بالنسبة لإمكانية العفو، كما جاء فى الآية {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ. . .}(البقرة، ٢٨٤) فالمغفرة عندهم تكون "بشرط التوبة" والتائب هو أيضا الذى يتوقع الغفران عن طريق شفاعة الرسول. بل إن "قبول التوبة واجب" لمن كان مخلصا فى توبته. ومن جهة أخرى فإن اللَّه لا يوقع العذاب إلا لمن كان مكلفا بالفعل، فلا يتصور منه تعذيب أطفال المشركين بذنب آبائهم. أما ما يقع من عذاب فى الدنيا لمن هو غير مكلف كالأطفال والحيوانات فإن اللَّه سوف يعوضهم فى الآخرة.
هذا هو مفهوم العدل عند المعتزلة بالمعنى المباشر، ولكن المعتزلة أيضا يفهمون العدل بمعنى أوسع، إلا وهو أنه "منزه عن كل قبيح"، بمعنى أنه لا يريد إلا كل ما هو "حسن". ومفهوم الخير والشر لديهم، كمفهوم العدل، يؤخذ بما يقتضيه العقل. فالخير والشر معان مطلقة، يتعرف عليها كل من وهب المنطق. ومن الأهم ألا يقال إن اللَّه محتاج لأن يفعل الشر، لأنه سبحانه "غنى" عن الاحتياج. وعلى ذلك، فاللَّه لا يتجه إلى فعل الشر، من منطلق أن الشر هو أمر قبيح، وليس فى حاجة إلى فعله. صحيح أن نفس المنطق يؤدى إلى أنه لا يفعل الخير أيضا! لعدم احتياجه له، ولكن الجبائى يتحايل على هذه النقطة بأنه الخير يفعل "لذاته" دون احتياج، وذلك لما فيه من حسن.