فتكون إما بمعنى يقول ويحكم بأنهم مهتدون أو (وهو التفسير المفضل عند الجبائى) بمعنى أنه يهديهم يوم القيامة إلى الجنة، وتأخذ فى هذه الحالة معنى الثواب، وفى المقابل تأخذ "يضل" إما معنى يقول ويحكم بأنهم ضالون أو معنى العقاب بمعنى عدم تعريفهم بطريق الجنة. وفى تفسير الختم على القلوب، فيأخذه الجبائى بالمعنى الحرفى، أى أن اللَّه "يسم" هذه القلوب بسمة تميزهم يوم القيامة بأنهم من أهل النار.
وليست العدالة تقتضى فقط حرية الاختيار بين الإيمان والكفر بل أيضا ضرورة إعطاء كافة البشر الوسائل المحققة للإيمان. ومن الغريب أن المعتزلى بشر بن عباد، هو الذى قال بأن اللَّه يمكن، لو أراد على عكس رأى المذهب، أن يهدى كل البشر، (ولكنه لا يفعل)، وأنه لديه "اللطف" الذى لو وهبه لمن يعلم أنه لم يكن ليهتدى، فإنه سوف يهتدى. وقد رُفض هذا الرأى بشدة من جانب المذاهب الأخرى وذهب الجبائى الذى قال أيضا باللطف لكنه شوه المعنى بأنه يعنى كافة الوسائل التى منحها اللَّه البشرية للهداية، من عقل ودلائل ورسل. ولكن لا يمكن القول بما يوحى به قول ابن عباد فى رأيه بان المصلحة المحضة، قد يستأثر اللَّه بها البعض ويحرم الآخر فإن اللَّه بمقتضى عدله عليه أن ينعم على الجميع بلا تمييز، لأن القول بغير ذلك بالنسبة للآخر يحمل معنى "إرادة الفساد"، وهو ما يتنزه عنه سبحانه.
ويقتضى العدل أيضا أن الأفراد يكون لهم حرية اختيار الفعل، أى أنهم هم منشئو الأفعال، على عكس قول "المجبرة"[الجبرية] بأن اللَّه هو الذى خلق هذه الأفعال فى العباد. فالثواب والعقاب يقتضيان أن يكونا لمن له المسئولية عن إحداث الفعل فهو صاحب الفعل ومحدثه والقول بغير ذلك يجعل مبدأ "الكسب" قول فاسد.
ولكن اللَّه إذا لم يكن هو الذى يخلق الأفعال فى العباد، فهو الذى يخلق فيهم "القدرة" على الفعل، ولكن ليس كما يذهب من يقول بـ "الكسب"، توضع القدرة فقط حين يوضع الفعل موضع