فباليد يقصد القدرة وبالعين العلم وبالوجه ذاته العلية وهكذا ومن جهة أخرى لا يمكن رؤية اللَّه {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}. أما الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فيؤلونها بأن ناظرة أى منتظرة، وبأن الانتظار هو لثواب ربها. وأما ما ورد من أحاديث حول رؤية اللَّه يوم القيامة مثل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" بفرض صحتها المشكوك فيها، فتؤخذ بالمعنى المجازى، بمعنى التعرف عليه سبحانه.
ثانيا: وصف اللَّه بالعدل، ومبدأ أن اللَّه يشاء، ولا يفعل إلا ما هو خير:
إن ما يميز المعتزلة فى هذا الصدد هو تصورهم للعدل الإلهى، فهو معتقد أساسى عندهم، ويتجلى هذا فى أنهم يسمون أنفسهم أهل العدل الذى هو مفترض فى كافة المذاهب بلا استثناء. فبالنسبة للأشعرى، فإن اللَّه عادل فى كل ما يفعله، حتى لو فعل ما هو مناقض لما نتصوره من عدل. فاللَّه سبحانه لا تحده قواعد. أما بالنسبة للمعتزلة (وهنا تطبيق لمبدأ "حمل الغائب على الشاهد" أى حمل المعلوم على المجهول) فإن اللَّه مرتبط بنفس القواعد التى يرتبطا بها الناس، فما يدلنا عليه عقلنا أنه شر، هو كذلك بالنسبة للَّه، وفى هذا المقام يبدو السؤال الذى ليست له إجابه (والذى ليس له محل فى مذهب الأشعرى)، هل يمكن للَّه أن يفعل ما هو شر أو بمعنى أوسع أو ما هو سيئ وردئ فالإجابة بالإيجاب أو النفى تؤدى إلى القول بعدم العدالة أو عدم القدرة.
وبادئ ذى بدء فالقول بالعدل يتنافى مع الجبرية، فليس من العدل أن يقدر اللَّه شيئا على الإنسان ثم يحاسبه، أن الأمر متروك للإنسان ليقرر مستقبله، تبعًا لاختياره إما مؤمنا أو كافرًا، طائعًا أو عاصيًا. صحيح أن القرآن يذكر أن اللَّه يهدى من يشاء. ولكن هذا يفسر بعيدًا عن منطق الجبرية بأن كلمة "يهدى" إما أن تؤخذ بمعنى التعريف بطريق الحق، وفى هذه الحالة يجب أن تكون لكل البشرية بلا تمييز، حتى تتحقق العدالة، فإن كانت للمؤمنين خاصة، فإن ذلك يكون بعد قيامهم بالاختيار الحر لطريق الإيمان،