ثم حضه الشعور العام ونصائح الفقهاء إلى أن الخير له أن ينادى بقيادته بالجهاد فى أسبانيا وأن يُسقط الأمراء الذين كانوا قد التمسوا من قبل تدخله ويخلفهم من عروشهم فوضع هذه الغاية نصب عينيه وأنفذ جيشًا لغزو مملكة أشبيليه بقيادة "سير أبى بكر" الذى استطاع فى ختام سنة ١٠٩٠ م أن يستولى على رأس طريف ثم من بعده على قرطبة التى كان يقوم بحراسة قلعتها أحد أولاد المعتمد واسمه "فتح المأمون" ولكنه قتل لما سقطت كل من قرمونة وإشبيلية الواحدة بعد الأخرى على الرغم من قتال المعتمد البطولى بل إن المعتمد نفسه سقط أسيرًا فى أيدى المرابطين الذين أرسلوه ونساءه وأطفاله فى البداية إلى طنجة ثم بعدئذ إلى "مكناس" التى أقاموا بها بضعة أشهر ثم نقلوهم إلى "أغمات" القريبة من مراكش حيث عاش فيها معيشة ضنكًا لمدة بضع سنوات حتى وافاه أجله سنة ٤٨٧ هـ (= ١٠٩٥ م) وهو فى الخامسة والخمسين من عمره.
ولقد مست النهاية التى انتهى إليها المعتمد بن عباد شغاف قلوب كل من ترجموا له لاسيما الذين أطنبوا كثيرًا فى ماضيه وأضفوا عليه من المواهب الشعرية، وامتدحوا كرمه البالغ، وفروسيته، والحق أنه واحد من تلك النماذج العظيمة للمسلمين الأسبان المتنورين فى العصور الوسطى، وكان شديد الحرص على الأدب حفيًا برجاله، حر التفكير متسامحًا، ولكنه عاش فى جو من الترف والبلهنية والراحة التى لم تأذن له برعاية مملكة ذات حدود مفتوحة لجيران طماعين يحيطون بها من كل جانب، ولم يكن المعتمد حاكمًا عظيمًا قويًا كأبيه المعتضد إلا أنه كان أكثر منه جذبًا للأنظار وربما كان ذلك راجعًا إلى ما لقيه من نكد الحظ وسوء الطالع، وأنه لأهل أن يوضع فى صف واحد مع كبار الشخصيات الأندلسية العظيمة إلى جانب عبد الرحمن الناصر والحكم الثانى والمنصور بن أبى عامر ثم عندما جاء بعد زمن كلسان الدين بن الخطيب.