فعل غيره من الشعراء المشهورين فى العراق، أمثال الزهاوى، نظرًا لأنه لم تكن هناك مجلات دورية متميزة تصدر فى العراق فى ذلك الوقت وأصاب قدرا من الشهرة فى الأقطار العربية الأخرى وكذلك بين المهاجرين العرب فى أمريكا، ولم تبدأ فى شعره حتى هذه المرحلة أى ميول دينية، فقد كان علمانيا خالصا يدعو إلى حرية التفكير فى مواجهة حكم الاستبداد، ويحث شعبه على الأخذ بروح العلم والثقافة والاقتداء بالنمط الأوروبى، واصفا ومادحا الاختراعات الحديثة، مدافعا عن ضحايا الظلم الإجتماعى، ناعيا الأوضاع المتدهورة التى آلت إليها الدولة العثمانية، وخصوصا فى العراق وأيد أيضا شعار الثورة الفرنسية الذى تبناه حزب التجمع والتقدم، وهو "الحرية والعدالة والمساواة"، كما يتجلى ذلك فى قصائده الصادرة فى "ديوان الرصافى".
وبعد الثورة التركية الفتية فى ١٠ يوليو ١٩٠٨ م ترجم إلى العربية أغنية التجمع لشاعرهم "توفيق فكرت"، والتى أصبحت النشيد المدرسى فى العديد من الأقطار العربية، ويبدو أن تعاطفه مع أيديولوجية حزب الجمع والتقدم، أغرت فرع الحزب فى بغداد، والتى كان يرأسه مراد بك سليمان (شقيق محمود شوكت)، أن يدعوه لرئاسة تحرير القسم العربى فى جريدة الحزب السياسية الثقافية الصادرة بلغتين والناطقة بلسانه.
واحتفل الرصافى شعرا وفعلا بإعلان الدستور (دستور ١٠ يوليو ١٩٠٨). فقد اقتحم الرصافى مع مجموعة من اصدقاء اليهود والمسيحيين جامع "الوزير" فى يوم من أيام الجمعة، وأزاحوا الخطيب بالقوة من فوق المنبر، وألقوا خطبا دعائية لإيديولوجية حزب التجمع والتقدم. وأثار تصرف الرصافى غضبا عارما بين الدوائر الدينية والمحافظة فى بغداد، وطالبوا بشنقه، وتظاهروا أمام الوالى ناظم باشا، حتى أن الأخير وضعه فى الحجز التحفظى حرصًا على حياته.
إلا أنه فى بداية سنة ١٩٠٩ م وبناء على طلب أحمد جودت محرر جريدة "إقدام"، وصل الرصافى إلى إستانبول