واستأنف عمله فى جريدة "بغداد" عند عودته إلى الوطن، ولكنه سرعان ما قبل عرضا جديدا هذه المرة من "جمعية أصدقاء العرب" التى يرأسها "الزهاوى" و"فهمى المدرس" فى إستانبول لتحرير جريدتهم اليومية "سبيل الرشاد" وفى إستانبول كان يلقى محاضرات فى مدرستين عاليتين فى اللغة العربية والأدب. وقام بتعليم "طلعت باشا" -العضو البارز فى حزب التجمع والتقدم- اللغة العربية، وكانت لعلاقته مع طلعت أثرها فى أن يُنتخب فيها سنة ١٩١٢ م فى مجلس النواب العثمانى. نائبا عن منطقة العراق، وتزوج أيضا أرملة اسمها "بلقيس" لم ينجب منها. ويذكرها مرتين فى ديوانه: فى القصيدة الأولى عندما تطلب منه "ألا يرحل، بينما ترغمه طموحاته أن يفعل". وفى القصيدة الثانية، ناشد فيها عائلة الجميل طالبا العون للسفر إلى تركيا، ليرى "من يحن قلبه إلى رؤياها". ويبدو أنه طلقها أخيرا فى سنة ١٩٢٥ م رسميا، لأنه لم يكن قادرا على إعالتها.
كان الشغل الشاغل للرصافى هو الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية من خلال توحيد كل الأديان والقوميات المختلفة فيها. وكذلك ابقائها وفقا لإيديولوجية لجنة التجمع والتقدم ولهذا السبب هاجم التجمع العربى فى باريس (يونيو ١٩١٣ م) وانتقد أعضاءه فى قصيدته الساخرة "ما هكذا" متهما إياهم بتعريض وحدة الدولة للخطر، وتشجيع أطماع الفرنسيين فى سوريا، وزرع العداء بين المسيحيين والمسلمين. كان الرصافى فى الواقع مدافعا عظيما عن إحياء الروح والثقافة العربية داخل إطار الدولة العثمانية. وناقدا عنيفا للقوى الأوروبية التى تسعى لتدميرها وحينما اندلعت الحرب العالمية الأولى، نظم قصيدة "الوطن والجهاد" يدعو فيها المسلمين أن يدافعوا عن الإسلام، وينتقد فيها المصريين لتأييدهم البريطانيين، ويعبر عن أمله فى أن يهزم العراق العدو الزاحف نحوها. إن هذا التضامن مع الدولة العثمانية يفسر لنا أيضا لماذا لم يرث الرصافى فى شعره هؤلاء القوميين العرب الذين شنقهم جمال باشا (١٩١٦ م). ويبرر من ناحية أخرى هجومه على