فى العراق تبين أن أبا العلاء كان على حق فى تصويبه. . ويمكن أن نخلص من هذه الحادثة، إلى أن أبا العلاء كان على معرفة فى هذه السن المبكرة، بشعر المتنبى الذى كان يقدره تقديرًا كبيرًا حتى عندما تقدمت به السن.
ونعرج على المرحلة التالية فى حياة أبى العلاء، حتى رحلته إلى بغداد. . وهنا يختلف المؤرخون العرب فنرى بعضهم يقول إن، الشاعر سافر إلى بعض المدن الأخرى، بصرف النظر عن رحلته إلى بغداد. . بل ويصرون على أنه قام بزيارة أنطاكية وطرابلس بالشام، حتى يفيد من مكتباتهما المحلية. ويقول ابن القفطى، وآخرون ساروا على نهجه -إن الشاعر توقف وهو فى طريقه إلى طرابلس على مسافة قصيرة من اللاذقية- عند دير الفاروس يحيى سمى بهذا الاسم إحياء لذكرى المسيح. . وهناك استمع إلى راهب يناقش فى الفلسفة الهيلينية [اليونانية القديمة أو الاغريقية] مما أثار فى عقله بعض الشكوك التى انعكست بعد ذلك فى شعره، أما غير هؤلاء من المؤرخين فيقولون بوجهة نظر أخرى، فابن العديم واحد من هؤلاء الذين ينكرون أن يكون الشاعر قد تأثر بأية عقيدة غير الدين الإسلامى. . ففيما يتعلق بأنطاكية يقيم ابن العديم حجته على أساس الوضع السياسى محتجًا بأن أنطاكية كانت زمن أبى العلاء داخل الحدود البيزنطية محرمة على المسلمين ويستدل ابن العديم على ذلك من السلطات البيزنطية للمسلمين فى هذه المدينة أنه لا يمكن تصور أن توجد مكتبة فى هذه المدينة، كما لا يمكن تصور أى شخص يسافر إلى هذه المدينة سعيًا للمعرفة، أما فيما يتعلق بالوجود المزعوم لهذه المكتبة فى طرابلس، والتى يتذرعون بأنها الحافز وراء سفرة أبى العلاء إليها، فإن ابن العديم يشير إلى أن مثل هذه المكتبة قد تأسست فى عام ٤٧٢ هـ/ ١٠٧٩ - ١٠٨٠ م، أى بعد وفاة أبى العلاء بسنوات طويلة، ولكن بالرغم من الحجج القوية لابن العديم، فإن البحوث تميل إلى تقبل احتمال أن يكون أبو العلاء قد قام بزيارة لهذه المدن التى ذكرت، كما قد يستدل على ذلك من بعض الإشارات إليها الواردة فى شعره.