ببعض الشخصيات التى تعمل فى مكتبات بغداد، ومن بين هؤلاء "أبو منصور محمد بن على" الذى كان يعمل بدار العلم والذى نظم فيه أبو العلاء قصيدة طويلة: وكذلك أبو أحمد عبد السلام البصرى الذى كان يتولى الإشراف على دار الكتب فى بغداد (انظر تاريخ بغداد ١١/ ٥٧ - ٥٨)، والذى وجه إليه المعرى بعد عودته إلى المعرة -قصيدة يعرب فيها عن ذكرياته الكئيبة فى بغداد، ويذكر حلقات النقاش الأسبوعية أيام الجمعة- وبالرغم من الفائدة التى كان يمكن أن يجنيها لو أنه أقام طويلًا فى بغداد، إلا أنه آثر الرحيل والعودة إلى بلده ويبدو أنه عانى ضائقة مالية -وهذا لا يدهشنا لأنه كان عازفًا عن نظم المدائح فى كبار القوم وأشرافهم فى بغداد مثلما فعل المتنبى مثلًا. وهناك سبب آخر وقد ذكره فى قصيدة وجهها إلى "أبو القاسم على بن المحسن التنوخى"، ابن مؤلف "نشوار المحاضرة" المعروف يشكو إليه أنه لم يعد قادرا على لقائه. لسببين: أحدهما موت أمه وثانيهما إفلاسه التام. . .
وبصرف النظر عن تفسيره لما حمله على الرحيل عن بغداد مبكرا يذكر المؤرخون العرب أحداثًا أخرى قد تكون هى التى دفعته إلى هذا الرحيل -ومن بينها ما حدث فى مجلس أدبى للشريف العلوى "المرتضى" شقيق الرضى الشاعر الشيعى المعروف- فقد انتقد المرتضى الشاعر المتنبى. فردَّ عليه أبو العلاء مدافعًا عن المتنبى دفاعًا حارًا فأمر الشريف المرتضى أن يجروه فجرُّوه وقذفوا به خارج المجلس (وكان قد رد على المرتضى بأن قال لو لم يكن للمتنبى من الشعر إلا قوله "لك يا منازل فى القلوب منازل" لكفاه. . . فقال المرتضى أتودون أى شئ أراد هذا الأعمى بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبى ما هو أجود منها لم يذكره -فقال الحضور "النقيب السيد أعرف" فقال أراد قول المتنبى:
"وإذا أتتك مذمتى من ناقص ... فهى الشادة لى بأنى كامل
ويذكر ابن كثير فى البداية تحت أحداث عام ٤٤٩ هـ أن فقهاء بغداد هم الذين طردوه لأنه أثار غضبهم ببعض الأسئلة الحرجة عن تطبيق أحكام معينة فى الفقه الإسلامى. .