وفى رمضان من عام ٤٠٠ هـ/ ١٠١٠ م بدأ أبو العلاء رحلة عودته، ولكنه وجد عند رجوعه أن أمه قد ماتت. وكانت ضربة قاسية نظم على أثرها مرثيتين نفث فيهما عن مشاعره الحزينة وكيف أنه كان يتمنى أن يسبقها إلى الموت، وأن عزاءه الوحيد أن يدفن بجوار قبرها، وأعرب عن أمله فى أن يلقاها مرة أخرى بعد البعث الذى ليس ببعيد، وقرر أن يعتزل الناس جميعًا. ويبقى فى بيته إلى الأبد رغم أن الناس كانوا يفرون خوفًا من اليونانيين ومن ثم أصبح يعرف "برهين المحبسين"(أى رهين عماه وداره).
ولكن خرج على هذا الحبس الذى فرضه على نفسه مرة واحدة فحسب بسبب حادثة وقعت فى مدينته فى عام ٤١٧ هـ/ ١٠٢٦ - ١٠٢٧ م. ففى ذلك الوقت كانت حلب وأقاليمها تحت حكم صالح بن مرداس الذى أصبح -بصفته زعيمًا لقبيلة كلاب- مؤسس الأسرة المرداسية وقد أثار وزيره المسيحى تادرس الملقب بوزير (السيف والقلم) بسبب سياسته القوية العنيفة، التوتر بين الطوائف المسيحية والمسلمة فى سكان حلب والمنطقة المحيطة بها ونتج عن هذه التوترات أن اندلعت أعمال العنف فى "معرة" ففى يوم من أيام الجمعة اقتحمت امرأة على جموع المصلين جامع المدينة تشكو من ضيق ألمَّ بها على يدى مسيحى مالك لأحد محلات الخمور، حيث اعتاد بالإضافة إلى بيعه الخمر -أن يقدم النساء أيضًا للمتعة. وعلى الفور هب الحضور جميعًا -باستثناء القاضى ووجهاء القوم- لسلب المحل وتحطيمه. وقد قام صالح -بتحريض من هذا الوزير بسجن بعض الوجهاء وكان من بينهم "أبو المجد" شقيق الشاعر. واضطر أبو العلاء أن يتدخل لدى صالح من أجل أبناء بلدته وقد وفق فى ذلك كثيرًا ونجد الشاعر يتذكر هذه الأحداث فى قصائده العديدة فى ديوانه "لزوم ما لا يلزم". ومن الواضح أن الشاعر كان يقر ما أقدم عليه أهل بلدته، وقد ورد الخبر مفصلا عن هذا الحديث التاريخى فى زبدة الحلب لابن العديم وفى كتابه الآخر الإنصاف وهذا الذى حدث فى معرة ورد فعل الشاعر تجاهه يقال إن أبا العلاء لم ينعزل كلية بل جرى العكس