للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد حدث أن مات أبو العلاء بعد هذه الرسالة (٤٤٩ هـ/ ١٠٥٨ م). . ومن ثم فلا يدهشنا أن نجد بعض المؤرخين العرب يحاولون إيجاد دليل للربط بين هذه المراسلة وبين موت الشاعر ويقول ابن الهبارية فى كتاب "فلك المعانى" أنه انتحر حتى لا يخرجه قسرًا داعى الدعاة ويعاقبه على هذه الهرطقة -ومع ذلك فإن معظم المؤرخين يتفقون على أنه مات ميتة طبيعية ويستشهدون على ذلك بأن الطبيب "ابن بطلان" كان بجواره عند وفاته، فقد طلب الشاعر وهو فى لحظاته الأخيرة من أفراد أسرته أن يأتيه بورق وقلم ليملى عليه شيئًا، فلما جاءوه بما طلب أخطا بعض الأخطاء -على غير ما كان ينتظر منه- فى إملائه، وهنا أعلن ابن بطلان أن أبا العلاء مات فعلا. ونحب أن نشير إلى أن الشاعر فى كثير من شعره كان يرى أن الإنجاب خطيئة وأن الفناء النهائى هو أمل البشرية ولذلك لم يتزوج وطلب أن يكتب على قبره "هذا جناه أبى على وما جنيت على أحد" والظن أنه قد ضاع الكثير من أعمال أبى العلاء بسبب الحروب الصليبية التى أحدثت الكثير من الخراب فى سوريا، ومنها المعرة بالطبع، وقد وضع مصطفى صالح قائمة بجميع مؤلفات المعرى سواء ما هو موجود منها أو مفقود، ومن بين تلك المؤلفات التى لا تزال موجودة ممكن أن نسرد ما يلى:

١ - سقط الزند. وهو يتضمن فيما يتضمن قصائد فى المدح أشرنا إلى بعضها فيما سبق. وينهج الشاعر فى هذا الديوان النهج الثلاثى التقليدى للقصيدة أى النسيب والرحيل والمديح -ولكنه من حين إلى آخر يرفض النسيب بل ويلغيه تمامًا. وفى هذا الصدد لا يمكن أن يقارن بشاعر مثل أبى نواس الذى هجر النسيب ليتحول إلى وصف الخمر- وفيما يتعلق بأبى العلاء الزاهد فإن تناول الخمر ووصفها مرفوضان عنده أما الماء فهو الذى يفضله.

وعندما كان يتعرض للنسيب كان يركز على سمته الحزينة بوصفه لسجع القمريات فغناؤها الهامس يوحى كان بها لوعة على فقد صغارها منذ زمن بعيد، ويقارن ذلك بحنين الشاعر ورثائه لحبيب بعيد المنال، وعندما