وبعد اقتناعه -من جانب آخر- بأن ضعف السلطة الرئيسية يعود أساسًا إلى نقص الموارد المالية، بذل جهده لتدبير المال بتشجيع التجارة الخارجية. ولقد استن سياسة تجارية، تشتمل على عقد معاهدات تجارية مع الدانمارك والسويد وإنجلترا وفرنسا، وبذل جهده لجذب التجار الأجانب إلى مملكته بتأسيس مدينة موقادور (السويره) لهم فى سنة ١٧٦٤ م، على أن الضرائب الثقيلة، التى فرضتها الدولة بصرامة، أعاقت تقدم هذه السياسة. ولقد ظلت المغرب قطرًا فقيرًا ولم تفتح نفسها -كما كان متوقعا، للتغلغل الأوربى. وظلت كذلك فى اضطراب دائم. ولقد عاشت البلاد فى فوضى سياسية أيام حكم مولاى سليمان (١٢٠٨ - ١٢٣٩ هـ/ ١٧٩٤ - ١٨٢٢ م). وبعد أن إستطاع فى أول الأمر أن يعيد النظام إلى البلاد، كان عليه أن يقضى العشر سنوات الأخيرة من حكمه فى اخماد ثورة البربر فى أطلس الوسطى، وفى إحدى الحملات التى أرسلها وقادها لهذا الغرض وقع فى أيدى الثوار.
ولمدة نصف قرن كان التاريخ الوطنى للمغرب سلسلة من الثورات التى بذل الحكام جهدًا كبيرًا فى إخضاعها. ولقد خرجت المناطق النائية وسط البلاد مثل: الريف، تافيللت، فيفيق، وشرق المغرب، عن سلطة وسيطرة المخزن. وفى قلب الإقليم، قطع البربر الإتصالات بين فاس ومراكش، مجبرين السلاطين حين يريدون التحرك من العاصمة إلى مكان آخر أن يقوموا بالتفاف كبير عن طريق الرباط. وزاد تدهور حال الدولة شيئًا فشيئًا وأكثر فأكثر. ولقد أجل مولاى الحسن (١٢٩٠ - ١٣١١ هـ/ ١٨٧٣ - ١٨٩٤ م) انهيارها لسنين قليلة. وقد تشابه حكمه مع حكم مولاى إسماعيل.
ولقد استخدم على رأس قوات جيشه سلاح المدفعية، الذى قامت بعثة فرنسية عسكرية بإعادة تنظيمه، فى قصف ثوار القصبة. واستطاع أن يستعيد النظام فى وجدة، وأجبر أهالى السوس على الاعتراف بقواده، وأخضع لطاعته أغادير وزيان، وبذل جهده بإرسال حملاته إلى مناطق البربر