الدول قاعدة صلبة اقتصادية فى الزراعة، بينما كانت دول الطوائف الأخرى (لاسيما ما كان منها مُطِلًا على الساحل الشرقى) تعتمد أساسًا على التجارة عبر البحار، وكان كثير من هذه الدول قد ظهر للوجود بفضل رجل محلى نشيط ولم تكن هناك مدينة من المدن قد سيطرت عليها واحدة من جيرانها الأقوياء، ولما انتهى ذلك القرن كانت الدول الكبيرة قد ابتلعت الدويلات الصغيرة والتى هى أضعف منها، وكانت أشبيلية هى أنجح الدول فى هذه الناحية وانتهى بها الأمر أخيرا إلى أن تكون هى الدولة التى تطلعت إلى مطمح واقعى وهو توحيد الأراضى فى شبه الجزيرة التى كانت فى السابق خاضعة للأمويين.
أما من الناحية العرقية فإن القوم هناك كانوا أنماطا شتى متداخل بعضها فى بعض، لا يستثنى من ذلك سوى قلة مثل غرناطة ومالطة، اللتين كانتا تنفردان بسيادة مجموعة عرقية معينة على غيرها من المجموعات وكانت تشبههما فى هذا المجال اشبيلية من الدول المطلة على البحر فى الناحية الشرقية، ولقد ظل للعامل العرقى أهميته فى سياسات ملوك الطوائف حتى منتصف القرن، وكان فى ظل هذه الدويلات اقليات يهودية ونصرانية، وكان النصارى -كما يبدو- فقد أخدوا فى التضاؤل من حيث العدد والأهمية، عكس ما جرى مع الجماعات اليهودية التى نعمت فى عهد ملوك الطوائف من بنى أمية بالتسامح الدينى وبعض من الذاتية الأقتصادية.
أما من الناحية الثقافية فإن عددا كبيرا من دويلات هذا العهد حاولت أن تنسج على منوال البلاط الأموى وبلاط عهد المنصور فأخذوا فى تشجيع الأبداع الأدبى والفنى، وقد وصلت إلينا كميات كبيرة من شعر هذه الفترة، هذا إلى جانب معاجم التراجم التى تقدم مادة تشمل التاريخ الأندلسى منذ أيام الفتح حتى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى)، ومن هذه التراجم نستطيع أن نستدل على مدى اندماج المولدين اندماجا كبيرا فى المجتمع الأندلسى بل وإلى أى حد