أن الله ما أرسل إليهم نذيرا شرع لهم هذه الشرائع الباطلة، لأنهم كانوا إذا ظلموا أنفسهم بشرائعهم الباطلة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها. وقد ناقشهم الله فى ذلك ورد عليهم فى غير موضع من القرآن كقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ففى سورة الصافات بعد أن ذكر دعاوى الوثنيين بقوله {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ففى هذه الآيات من الإنباء عن السخط العظيم والانكار الفظيع لأقاويلهم والتضعيف لعقولهم واتهامهم مع الاستهزاء بهم. وفى قوله {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} أى الناطق بصحة دعواكم والأمر فيه للتعجيز وإضافة الكتاب إليهم للتهكم.
وفى قوله {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} إضراب إنتقالى من توبيخهم بما ذكر بتكليفهم مالا يدخل تحت الوجود أصلا، اى بل: ألكم حجة واضحة نزلت من السماء بأن الملائكة بناته تعالى ضرورة أن الحكم بذلك لابد له من سند حسى أو عقلى، وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلى وهو لا يوجد عندهم.
فالمعنى فى هذه الآيات معله فى قوله تعالى فى سورة الأحقاف {أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ} تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلى بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلى، فهو من جملة القول أى إيتونى بكتاب إلهى كان {مِنْ قَبْلِ هَذَا} الكتاب أى القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أى بقية من علم بقيت عندكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، وهكذا كل آية وردت فى المعنى.
وتدل العبارة التى نقلها "فنسنك عن "هرجرونى) بفحواها على أن إبراهيم لم يذكر بأنه حنيف إلا فى السور المدنية. فهو خطأ أيضًا، لأنه ذكر بأنه