ولا يمكن أن يمر بخاطرى أنه لم يعرف هذه الآيات ولم يلتفت إليها، بل أكبر اعتقادى أنه تخطاها عمدًا غاضا النظر عما تقضى به الأمانة فى سبيل تأييد نظريته.
(وأما عن الأمر الثانى) فإن النبى ما أمل أن يعتز باليهود، ولكن لما كانوا أهل توحيد ويجانبون الأصنام ويعادون أهلها، والنبى له ذكر عندهم فى كتبهم لم تزل آثاره إلى اليوم ناطقة تنادى عليهم بأنهم يكتمون ما أنزل الله -كان يتوقع أن يؤمنوا فلما جحدوا كانوا عنده بمثابة غيرهم فقط. ومعلوم أن القرآن يرفض أن يكون إبراهيم يهوديًا لأن اليهود هم أبناء إسرائيل، وإسرائيل إنما هو ولد إسحق، وغريب أن يكون المتقدم معزوا وتابعا لولد ولده الذى لم يره ولم يعاصره {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا} سورة آل عمران.
بقى أمر ثالث يعزوه هؤلاء المستشرقون: وهو أنهم ينكرون أن يكون إبراهيم أو إسماعيل رسولا إلى العرب مستندين إلى قوله تعالى {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} وأشباهها إذ لو كان إبراهيم قد دعا العرب إلى دينه أو إسماعيل قد دعا العرب إلى دين إبراهيم لما صح ذلك القول.
والجواب على هذا: أن المفسرين يقولون إن معنى دلدُ أن الموجودين من هؤلاء القوم لم يباشرهم رسول يبلغهم دين الله ويهديهم إلى الدين الحق -فلا تناقض- لأن تبليغ إسماعيل أو إبراهيم إنما كان لآبائهم:
أما أنا فأجيب بأن العرب كان دين كثير منهم عبادة الأوثان وكانت لهم قرابين يقدمونها إليها، وقد سيبوا السوائب وبحروا البحائر ووصلوا الوصيلة، وسنوا لهم قواعد ما أنزل الله بها من سلطان. فجاء محمد لينذر هؤلاء القوم الذين يدعون أنهم على دين، وأن الله قد أمرهم بما هم عليه، مع