لقد كانت صراحة المنذر بن سعيد أن تكلفة ضياع مكانته بل وهو أكثر منها، ويلفت مترجموه وكتاب سيرته الأنظار إلى خطبة جافة شديدة اللهجة لام فيها الحاكم لومًا عنيفًا إذ كان على وشك بناء مدينة الزهراء، ثم ما كان منه من نقد لاذع لبنائه مقصورة بالحجر المموق بالذهب والفضة، ورماه بأنه اسلم نفسه لغواية الشيطان فأضله حتى سلك مسلك الكافر، وعلى الرغم من هذا كله إلا أنه لم يصب بأذى، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن الخليفة الناصر عبد الرحمن كان يدرك تمام الإدراك مدى جدوى معاونته، ويقول من كتبوا سيرته ومعاصروه إنه كان شديدا كل الشدة ولكن على من يمثلون أمامه للمحاكمة، وكان يعاملهم جميعا على قدم المساواة دون اعتبار للطبقة الاجتماعية التى ينتمون إليها، وقد لاحظ مترجموه فى دهشة أن سلوكه الجاف وتصرفه الكريم لم يمنعاه من أن يكون فكها مع اصدقائه كثير الدعابة معهم وينقلون عنه بعض ملحة ونكاته التى كثيرا ما أضحت أهل قرطبة وسرّتهم.
ويفيد نص بوفنسال أول ممثل فى الأندلس لمذهب أهل الظاهر الذى أدخله إلى الأندلس بعد أن تتلمذ فيه ليس على يد داود ابن خلف وحده، بل درسه أيضا على يد أحد تلاميذه (راجع مقال بيلات عن ترجمة ابن حزم فى مجلة الأندلس ١٩٥٤ م)، ولقد استطاع المنذر بن سعيد أن يمارس "الاجتهاد" فى نفس الوقت الذى كان فيه ملتزما كل الالتزام بالمذهب المالكى واحترامه، وحين يتكلم عنه ابن العمار الحنبلى فى كتابه شذرات الذهب (٣/ ١٧) نراه يعترف باستقامة رأيه وألمعيته وفصاحته ولا ينتقده أكثر مما تجرى أقلام غيره من كتاب التراجم عمن يترجمون لهم.
لكن على الرغم من كل ما ذكرناه فلم يبق لدينا شئ من مؤلفاته وهى الناسخ والمنسوخ، الإنباه على استنباط الأحكام من كتاب اللَّه، وكتاب الإبانة عن حقائق أصول الديانة، وإن بقيت بعض أبيات من الشعر تنسب إليه ولا سيما فيما يتعلق بالزهد وترد الإشارة أيضا إلى تبادل الرسائل الشعرية بينه